والعرب تزعم أنهم يأكلون الناس من شدة خساستهم، ويقولون: إنهم اشتووا رجلًا اسمه عفاق فأكلوه، وفيه يقول الراجز:
إن عفاقًا أكلته باهله .... فمششوا عظامه وكاهله
وتركوا أم عفاق ثاكله
وأما النسبة بين "فساد الوضع" و"فساد الاعتبار" فاختلف فيها، فقال بعضهم: فساد الاعتبار أعم مطلقًا، وفساد الوضع أخص مطلقًا، وصرح بهذا القول أبو الحسن الآمدي في "إحكامه"، وهو ظاهر كلام السبكي في "جمع الجوامع".
والتحقيق خلافه، وهو أن النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه، وإيضاح ذلك أن "فساد الوضع" هو ألا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه، وهو قسمان: تلقي الشيء من نقيضه أو ضده، وكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم أو ضده، و"فساد الاعتبار" أن يخالف الدليل نصا أو إجماعًا.
فإذا تقرر ذلك ظهر أن التحقيق أن بينهما العموم من وجه؛ لصدق فساد الاعتبار فقط حيث يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه، وصدق فساد الوضع فقط حيث لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه، ولا يعارضه نص ولا إجماع، وصدقهما معًا حيث لا يكون الدليل على الهيئة المذكورة مع معارضة نصر أو إجماع له.