الفلاسفة قدم هيولى العالم، وأن أفرادها قديمة الجنس حادثة النوع لا يصح، لما ذكرنا من أنها إن لم يقترن درد منها بالأزل كانت حادثة، ولو اقترن فرد منها بالأزل لكان قديمًا، والقديم لا يفنى، وكلها فانية، فاتضح بطلان دعواهم.
ومما استدل به بعض النظار على استحالة قدم هيولى العالم، وأنها حوادث لا أول لها: أن ذلك يلزم عليه وجود عددين لا متماثلين ولا متفاضلين؛ لأن المماثلة لا تصح؛ لكون الأفراد من اليوم إلى الأزل تشارك الأفراد من الطوفان إلى الأزل في هيولاها التي هي موادها وأصولها، وتزيد عليها بما بين اليوم والطوفان، والمفاضلة بين العددين لا تعقل؛ لأن الفرض أن كلا من العددين لا نهاية له، وما لا يتناهى لا يعقل كونه أقل من شيء؛ لأن معنى القلة مقابلة العدد القليل بقدره من أفراد العدد الكثير، وانتهاؤه مع بقاء شيءٍ من الكثير، فانتهاؤه قبله هو قلت عنه، وبقاء بعض أفراد الآخر بعده هو كثرته عنه.
وربما يظهر للناظر القدح في هذا الدليل بأن يقول: أفراد الهيولى من اليوم إلى الأزل أكثر من أفرادها معتبرة من الطوفان إلى الأزل؛ لأنها لما شاركتها فيما بين الطوفان والأزل وزادت عليها بما بين اليوم والطوفان صارت أكثر منها.
وقال بعضهم: هذا القدح مدفوع عند التأمل الصادق؛ لأن هذا إنما يكون إذا اعتبرنا العددين من جهة النهاية إلى جهة الأزل، وإيضاحه أن يقول: لو فرضنا أن شخصين يعدان أفراد الهيولى المزعوم تسلسلها، أحدهما يعد من اليوم إلى الأزل، والثاني يعد من الطوفان