للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما أنكره المخالفون في المصالح المرسلة على الإمام مالك رحمه اللَّه تجويزه ضرب المتهم بالسرقة ليقرَّ، فجواز ضرب المتهم هو الحكم، وتوقع الإقرار هو المصلحة المرسلة، والمراد بالمتهم بالسرقة المعروف بها إذا ادعيت عليه. كما قال ابن عاصم في "تحفته":

وإن تكن دعوى على من يتهم ... فمالك بالسجن والضرب حكم

قالوا: لأنه يمكن أن يكون بريئًا في نفس الأمر من السرقة المدعاة عليه، وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب برئ.

وقد قدمنا أن الحجة مع المالكية ظاهرة قوية جدًّا لإجماع الصحابة الإجماع السكوتي على العمل بالمصالح المرسلة في مسائل كثيرة، ويكفيك أن أفضل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه عمل بالمصلحة المرسلة وقت مفارقته الدنيا، فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: كتب أبي وصية في سطرين: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر، وينتهي الفاجر، ويصدق الكاذب: إني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل، فذلك ظني به، ورجائى فيه. وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء/ ٢٢٧] " أخرجه ابن أبي حاتم.

واستدل الحافظ ابن كثير في "تفسيره" على عموم قوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآية بكتابة أبي بكر رضي اللَّه عنه لها في وصيته باستخلاف عمر رضي اللَّه عنه، فأبو بكر قدم على تولية عمر وتقليده حقوق جميع المسلمين في وقت مفارقته الدنيا لمجرد المصلحة

<<  <   >  >>