للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجموع معناه في غير ما وضع له مجموع تلك الكلمات المستعملة في حقائقها؛ لعلاقة بينهما، مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي، كقولك للمتردد في فعل أمر: "ما لك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى؟ "؛ فالتقديم والتأخير والرجل والأخرى كلها حقائق لغوية، إذ المراد بكل واحدٍ منها معناه اللغوي الحقيقي، إلا أن مجموع الهيئة الحاصلة من تقديم رجل وتأخير أخرى استعمل في معنى آخر هو التردد بين الإقدام على الفعل والإحجام عنه؛ للمشابهة الحاصلة بينهما، مجازًا مركبًا على سبيل الاستعارة التمثيلية.

واعلم أن علاقة المجاز المركب لابد أن تكون المشابهة أو غيرها، فإن كانت المشابهة فهي الاستعارة التمثيلية، ومنها جميع الأمثال السائرة، وهي أحسن أنواع الاستعارة، وسيأتي لها زيادة إيضاح في مباحث الاستعارة إن شاء اللَّه.

وأما إن كانت علاقة المجاز المركب غير المشابهة فهو مجاز مركب مرسل، ولا يسمى استعارة، كقول الشاعر:

هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق

فإن مفردات هذا البيت كلها حقائق لغوية، ومعناه المركب هو الإخبار بأن هواه مصعد جنيب مع الركب اليمانين وجثمانه موثق بمكة. إلا أنه أطلق هذا المعنى الخبري وأراد به معنى إنشائيًا، وهو إنشاء التحسر والتلهف على ما نزل به من كون جثمانه موثقًا بمكة ومَهْوِيِّه باليمن مجازًا مركبًا علاقته السببية، لأن ما أخبر به من إيثاق جثمانه بمكة وكون مَهْوِيِّه باليمن سبب لتحسره. وإنما كان الخبر

<<  <   >  >>