لفظ المعدوم لهذه المشابهة، ولاشك أن معنى الطرفين -أعني الموجود والمعدوم- لا يجتمعان في شيءٍ واحدٍ بأن يكون موجودًا معدومًا في آنٍ واحدٍ لأن العدم والوجود على طرفي النقيض.
ومن أمثلة العنادية عكس هذا المثال المذكور، وهو -أي عكس هذا المثال- أن يستعار اسم الموجود للمعدوم لوجود فائدته، وانتشار مآثره، فإن صاحب المآثر الباقية والأنفاع المستديمة ولو كان مفقودًا هو والموجود سواءٌ في وجود الآثار عنهما؛ إذ تحيي في الناس ذكره، وتديم فيهم اسمه، فتكون حياة ذكره كحياته، فإذا نقل لفظ الموجود وأطلق على المعدوم المفقود لوجود مآثره حتى كأنه حاضر تحصل عنه لكونه سببًا فيه = كانت استعارة لفظ الموجود لذلك المعدوم عنادية، لعدم إمكان اجتماع الوجود والعدم في شيءٍ واحدٍ في آنٍ واحد، كما تقدم في المثال الأول.
ومنها -أي العنادية- الاستعارة التهكمية، والاستعارة التمليحية.
فالتهكمية هي ما كان الغرض منها التهكم والهزء، والتمليحية هي ما كان الغرض منها إيراد القبيح بصورة شيء مليحٍ لأجل الظرافة والملاحة، ولا تختلف التهكمية والتمليحية إلا بهذا القصد الذي هو التهكم والهزء في التهكمية، والإتيان بالشيء الظريف المليح الذي يستظرفه الحاضرون، وأما في الصورة الاستعمالية فالتهكمية والتمليحية شيءٌ واحدٌ لا فرق بينهما، ويجمعهما حدٌّ واجد، فيحدان بأنهما الاستعارة المستعملة في ضد معناها الحقيقي أو نقيضه، بسبب تنزيل التضاد أو التناقض منزلة التناسب بواسطة تهكم أو تمليح.