وقد تحصل الغرابة بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل، كقول امرئ القيس:
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل
أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له صلبًا يتمطى به، إذ كان كل صلب يطول عند التمطي، وبالغ بأن جعل له أعجازًا يردف بعضها بعضًا، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره والضغط لمكابده، فاستعار له كلكلًا ينوء به: يثقل به.
قال الشيخ عبد القاهر: لما جعل لليل صلبًا قد تمطى به، ثنَّى ذلك فجعل له أعجازًا قد أردف بها الصلب، وثلث فجعل له كلكلًا قد ناء به، فاستوفى له جملة أركان الشخص، ورعى ما يراه الناظر من سواده إذا نظر قدامه، وإذا نظر خلفه، وإذا رفع البصر ومده في عرض الجو.
وأمثلة الاستعارة الغريبة كثيرةٌ جدًّا غير ما ذكرنا، من ذلك قول طفيل الغنوي:
وجعلت كوري فوق ناجيةٍ ... يقتات شحمَ سنامها الرحلُ
وموضع اللطف والغرابة منه أنه استعار "الاقتيات" لإذهاب الرحل شحم السنام، مع أن الشحم مما يقتات.
وكقول ابن المعز:
حتى إذا ما عَرَفَ الصيدَ الضار ... وأَذِنَ الصبح لنا في الإبصار
لأنه لما كان تعذر الإبصار منعًا من الليل جعل إمكانه عند ظهور