وإذا كانت علة الفسخ المذكور مخالفة ما كان عليه الجاهلية، فلا دلالة فيه على أفضلية التمتع بفسخ الحج إلى عمرة.
ولا يقدح في هذا أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم بين بطلان ما كان الجاهلية عليه في عمره الثلاث قبل حجة الوداع؛ لأن عمرة الحديبية التي صده المشركون فيها عن البيت عام سبع كانت في ذي القعدة من أشهر الحج، وكذلك عمرة القضاء عام سبع كانت في ذي القعدة، وكذلك عمرة الجعرانة عام ثمان عام الفتح كانت في ذي القعدة أيضًا؛ لأن حجة الوداع اجتمع فيها من الخلق ما لم يجتمع في غيرها، فالبيان فيها أعظم موقعًا، وله فائدة لم تكن في غيره، ولذلك جاء في الحديث:"فتعاظم ذلك عندهم".
ومن أدلة المالكية والشافعية على الخصوص المذكور حديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال: قلت يا رسول اللَّه، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم:"بل لكم خاصة". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
قال النووي في هذا الحديث: إسناده صحيح، إلا الحارث بن بلال فإني لم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد رواه أبو داود ولم يضعفه، وما لم يضعفه أبو داود فهو حديث حسن عنده إلا أن يوجد فيه ما يقتضي ضعفه. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه تعالى: هذا الحديث لا يثبت عندي، ولا أقول به. قال: وقد روى الفسخ أحد عشر صحابيًّا، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟ ! .