فإذا كان حديث "لا وصية لوارث" ليس بمتواتر، ونسخ القرآن بغير المتواتر ليس بواقعٍ عند جمهور الأصولين، فادعاء نسخ الآية المذكورة بالحديث المذكور مشكل، وادعاء بعضهم إمكان تواتره قيل: لا تقوم به حجة؛ لاشتراط التواتر في جميع طبقات السند.
وأما آيات المواريث فإنها لا تنافي الوصية حتى يكون ثبوتها رافعًا لها؛ لأن النسبة التي بين الوصية والميراث التباين الخلافي، والخلافان يصح اجتماعهما عقلًا، كالكلام والقعود، وشرعًا ككون الوالد يرث وبره واجب، والناسخ والمنسوخ لابد أن تكون بينهما مناقضة بحيث يكون ثبوت أحدهما يقتضي نفي الآخر، كالنقيضين والضدين والمتضائفين والعدم والملكة، وإن كان الغالب كونهما نقيضين، أو ضدين فقط، وبالجملة فالميراث يجامع الوصية إذ ليس ثبوته يقتضي رفعها، وإذا كان ثبوت الأمر الجديد لا يقتضي رفع الأمر الأول، فكيف يعقل كونه ناسخًا له؟
وما أجاب به المحرر العبادي في حاشيته المسماه "الآيات البينات" من أن حديث "لا وصية لوارث" وإن كان خبر آحاد، فقد اعتضد بموافقة الإجماع له، للإجماع على نسخ آية الوصية للوالدين والأقربين، فصار بسبب اعتضاده بالإجماع كالمتواتر، فلذا صح نسخ الآية به = فهو جوابٌ ليس فيه عندي مَقْنَع؛ لأمرين:
الأول: أن الإجماع الذي ذكر ليس ثابتًا، بل خالف فيه كثيرٌ من العلماء.
والثاني -على تسليم الإجماع جدليًّا- هو: ما صححه الأصوليون -