ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر بها فيه لكن عملها في مكان غير المكان الذي عين أن تفعل فيه. ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أمر أن تفعل فيه وفي المكان الذي أمر أن تفعل فيه لكن زاد فيه أو نقص. وزعم هذا الرجل أن النبي ﷺ لم يبين المنع من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال منعًا واضحًا بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام. زعم باطل؛ فإن فعل النبي ﷺ هذه العبادة في أيام منى الثلاث بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير منزل منزلة الأمر العام عند جميع أئمة الإسلام.
ويقال ثانيًا: قد ثبت النهي عن رمي هذه الجمرات قبل الزوال، فروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لا ترمى الجمرة حتى تزول الشمس (١). وهذا له حكم الرفع؛ لا مسرح للرأي فيه.
ويقال ثالثًا: لا تفتقر الأحكام الشرعية الفرعية في ثبوتها إلى اشتراط قطعية السند؛ بل تثبت بالأدلة الظنية، إنما الذي يحتاج في ثبوته إلى كون دليله قطعيًّا هي الأصول والعقائد؛ فإنه لا يثبت أصل شرعي بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه، كما لا تثبت العقائد بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه. فجمع هذا الرجل هاهنا بين عدة أنواع من الجهل:
أحدها: إقدامه على أن الجمرات ترمى في كل وقت لم يرد عن النبي ﷺ فيه نهي صريح.
(١) بلفظ: «لا تُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس» الموطأ برقم (١٢١٩).