(٢) وقبل أن يبعث عثمان دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال عمر: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس في مكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني. ولكني أدلك على رجل هو أعز مني فيها: عثمان بن عفان. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش. ويوم تدوّن الدول الإسلامية تاريخ السفارات في الإسلام، سيكون اسم عثمان أول سفراء الإسلام في التاريخ. (٣) لأن عثمان لما أدى رسالته في السفارة التي بعث بها احتبس أياما. فلم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الموعد الذي كان يقدر له أن يعود فيه، فوصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن سفيره قتل، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إلى بيعة الرضوان، انتصارا لعثمان، على نية أن يذهب بالصحابة إلى مكة فيناجز المشركين لما بلغه عن قتلهم عثمان. فبيعة الرضوان كانت رمزا من رموز الشرف لعثمان، وأي شرف أعظم من اجتماع قوى الإسلام بقيادة الرسول الأعظم للأخذ بثأر هذا الرجل الحبيب إلى المسلمين، والرفيع المنزلة عند سيد الأولين والآخرين؟ ثم لما علم النبي صلى الله عليه وسلم - في اللحظة الأخيرة التي اجتمع فيها الصحابة لعقد البيعة - أن عثمان حي، مضى في إتمام البيعة على سنته صلى الله عليه وسلم في أنه إذا بدأ بخير يمضي في إكماله ولو زال سببه. وحينئذ كان لعثمان الشرف المضاعف بأن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم نابت عن يده في عقد البيعة عنه. فبيعة الرضوان كانت انتصارا لعثمان، وجميع الصحابة بايعوا بأيدي أنفسهم إلا عثمان فإن أشرف يد بالوجود نابت عن يده في إعطاء بيعته. ولو لم يكن لعثمان من الشرف في حياته كلها إلا هذا لكفاه.