ببركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله لي فيهما، ولم يقدر فكان صغوي للعلم أكثر منه للعمل، وأسأل الله تعالى الحفظ والتوفيق برحمته) .
وعاد ابن العربي إلى بغداد مع أبيه، فلبث فيها قريبا من سنتين قضاهما في صحبة الغزالي وهو في طوره الأوسط، بين حالة الظهور الأولى وحالة العزلة والسياحة في النهاية.
[العودة بطريق دمشق وفلسطين والإسكندرية]
العودة بطريق دمشق وفلسطين والإسكندرية: وفي سنة ٤٩٢ كان والد ابن العربي قد أثرت فيه الشيخوخة، فخرجا من بغداد متوجهين إلى الشام وفلسطين، فجدد ابن العربي العهد - في دمشق وبيت المقدس وكثير من المدن الشامية - مع من كان عرفهم وأخذ عنهم من شيوخ هذه البلاد، وتعرف بآخرين غيرهم. ثم جاء إلى الإسكندرية، وكانت فيها منية أبيه في أوائل سنة ٤٩٣ فدفن في الثغر الإسكندري. وكان الإمام أبو بكر الطرطوشي في تلك المدة قد نزل الإسكندرية واستوطنها وكثر فيها تلاميذه ومريدوه من أهل السنة حتى بلغوا المئات لما وجدوا فيه من العزم على إحياء طريق أهل السنة بعد أن اعتراها الوهن وأصيبت بالإهمال تحت حكم العبيديين، فأقلق نشاط الطرطوشي ولاة الأمور العبيديين في القاهرة، وكانت رئاستهم قد آلت من سنة ٤٨٧ إلى المستعلي أحمد بن المستنصر أبي تميم معد، وأخذ نجمهم بالأفول في الشام باستيلاء الأتراك على بعض البلاد، والإفرنج على البعض الآخر. ولم يكن للمستعلي حل ولا ربط مع وزيره الأفضل، فاضطهد الأفضل أبا بكر الطرطوشي فيما بعد بسبب كثرة أتباعه مما لا محل لذكره هنا. فلما توفي والد ابن العربي بالإسكندرية رحل عنه عائدا إلى وطنه في سنة ٤٩٣، ويقول الحافظ ابن عساكر: إن ابن العربي ابتدأ بتأليف كتابه (عارضة الأحوذي) عندما غرب من الإسكندرية فكان أول مؤلفاته على ما نعلم.