للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رباط جأش أبي بكر في اليوم الرهيب]

وكان ـ إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم ـ غائبا في ماله بالسنح (١) فجاء إلى منزل ابنته عائشة رضي الله عنها ـ وفيه مات النبي صلى الله عليه وسلم ـ فكشف عن وجهه، وأكب عليه يقبله وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حيا وميتا ـ والله لا يجمع الله عليك الموتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها، ثم خرج إلى المسجد ـ والناس فيه، وعمر يأتي بهجر من القول كما قدمنا ـ فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ـ ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ". ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤] (آل عمران: ١٤٤)


(١) في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (٥: ٢٤٤) : كان الصديق قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذا ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف سترة الحجرة ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر، فأعجبه ذلك وتبسم صلى الله عليه وسلم حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به، وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف، فأشار إليهم صلى الله عليه وسلم أن يمكثوا كما هم، وأرخى الستارة، وكان آخر العهد به صلى الله عليه وسلم. فلما انصرف أبو بكر من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة - يعني إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة - فركب على فرس وذهب إلى منزله، وتوفي صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى. . . فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق فأعلمه بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الصديق حين بلغه الخبر، وكان منه ما سيذكره المؤلف. والسنح منازل بني الحارس بن الخزرج في عوالي المدينة، بينها وبين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ميل واحد.

<<  <   >  >>