للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: هذا محال من وجهين: أحدهما أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسًا وقد سلم الأمر. الثاني أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله فكيف تحملونه - بغير بينة - على أحد من خلقه في زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل المصمم (١) .

[نقد ثلاثة أخبار ملفقة على وهب بن جرير في تمهيد معاوية لولاية يزيد]

فإن قيل: فقد عهد إلى يزيد وليس بأهل (٢) . وجرى بينه وبين عبد الله


(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٢: ٢٢٥) فيما تزعمه الشيعة من أن معاوية سم الحسن: (لم يثبت ذلك ببينة شرعية، ولا إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به. وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم) . قال: " وقد رأينا في زماننا من يقال عنه سم ومات مسموما من الأتراك وغيرهم. ويختلف الناس في ذلك حتى في نفس الموضع الذي مات فيه والقلعة التي مات فيها، فتجد كلا منهم يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الآخر ". وبعد أن ذكر ابن تيمية أن الحسن مات بالمدينة وأن معاوية كان بالشام، ذكر للخبر احتمالات - على فرض صحته - منها أن الحسن كان مطلاقا لا يدوم مع امرأة. . . إلخ (وانظر المنتقى من منهاج الاعتدال ص ٢٦٦) .
(٢) إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع سجاياهما، فهذا ما لا يبلغه خليفة في تاريخ الإسلام، ولا عمر بن عبد العزيز. وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر وعمر. وإن كان مقياس الأهلية الاستقامة في السيرة، والقيام بحرمة الشريعة، والعمل بأحكامها، والعدل في الناس، والنظر في مصالحهم، والجهاد في عدوهم، وتوسيع الآفاق لدعوتهم، والرفق بأفرادهم وجماعاتهم، فإن يزيد يوم تمحص أخباره، ويقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن تغنى التاريخ بمحامدهم، وأجزل الثناء عليهم.

<<  <   >  >>