١٨ - وأما تعلقهم بأن الكتاب وجد مع راكب، أو مع غلامه - ولم يقل أحد قط إنه كان غلامه (١) - إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح يأمره بقتل
(١) وإنما قالوا إنه غلام الصدقة، أي أحد رعاة إبل الصدقة. وإبل الصدقة ألوف كثيرة لها مئات من الرعاة. وإن صح أنه من رعاة إبل الصدقة فهؤلاء لكثرتهم وتبدلهم دائما بغيرهم لا يكاد يعرفهم رؤساؤهم فضلا عن أن يعرفهم أمير المؤمنين وكبار عماله وأعوانه. ومع افتراض أنه من رعاة إبل الصدقة فما أيسر أن يستأجره هؤلاء البغاة لغرض من أغراضهم، وقد ثبت أن الأشتر وحكيم بن جبلة تخلفا في المدينة عند رحيل الثوار عنها مقتنعين بأجوبة عثمان وحججه. وفي مدة تخلف الأشتر وحكيم بن جبلة تم تدبير الكتاب وحامله للتذرع بهما في تجديد الفتنة ورد الثوار، ولم يكن لأحد غير الأشتر وأصحابه مصلحة في تجديد الفتنة. وكم لهم من حيل أكثر التواء من استئجار راع يرعى إبل الصدقة. بل لقد ذكروا عن محمد بن أبي حذيفة ربيب عثمان الآبق من نعمته أنه كان في نفس ذلك الوقت موجودا في مصر يؤلب الناس على أمير المؤمنين ويزور الكتب على لسان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ الرواحل فيضمرها ويجعل رجالا على ظهور البيوت في الفسطاط ووجوههم إلى وجه الشمس لتلوح وجوههم تلويح المسافر ثم يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق الحجاز بمصر ثم يرسلوا رسلا يخبرون عنهم الناس ليستقبلوهم. . . فإذا لقوهم قالوا إنهم يحملون كتبا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الشكوى من حكم عثمان، وتتلى هذه الكتب في جامع عمرو بالفسطاط على ملأ الناس وهي مكذوبة مزورة وحملتها كانوا في مصر ولم يذهبوا إلى الحجاز (انظر كتاب الأستاذ المحقق الشيخ صادق عرجون عن " عثمان بن عفان " ص١٢٢ - ١٣٣) فتزوير الكتب في مأساة البغي على أمير المؤمنين عثمان كان من أسلحة البغاة استعملوه من كل وجه وفي كل الأحوال وقد تقدم المثال على ذلك في صفحة ٥٩، وسيأتي طرف منه فيما بعد.