(٢) بل إن معاوية نفسه حاول السير على طريقة عمر، كما نقل ذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٨: ١٣١) عن محمد بن سعد قال: حدثنا عارم، حدثنا حماد بن يزيد، عن معمر، عن الزهري " أن معاوية عمل سنتين عمل عمر ما يخرم فيه ثم إنه بعُد عن ذلك ". وقد يظن من لا نظر له في حياة الشعوب وسياستها أن الحاكم يستطيع أن يكون كما يريد أن يكون حيثما يكون، وهذا خطأ. فللبيئة من التأثير في الحاكم وفي نظام الحكم أكثر مما للحاكم ونظام الحكم من التأثير على البيئة. وهذا من معاني قول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد ١١. (٣) أي لم يصح زعم البغاة على عثمان أن عثمان خالف بذلك ما يقتضيه الشرع. (٤) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٣: ١٩٦) : " وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه (أي في نفي النبي صلى الله عليه وسلم الحكم) وقالوا: " ذهب باختياره. وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها " ثم قال: " لم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة، فإن كان طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه كما تقدم وقالوا: هو ذهب باختياره. . . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزر رجلا بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيا دائما. . . وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن سعد بن أبي سرح فقبل صلى الله عليه وسلم شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم، وقد رووا أن عثمان سأله أن يرده فأذن له في ذلك. ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وقصة عبد الله ثابتة معروفة بالإسناد، وأما قصة الحكم فإنما ذكرت مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، فلم يكن هناك نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان. والمعلوم من فضائل عثمان ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم له وثنائه عليه وتخصيصه بابنتيه وشهادته له بالجنة وإرساله إلى مكة ومبايعته له عنه وتقديم الصحابة له في الخلافة وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راض وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده ولا يعرف كيف وقع ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا تعرف حقيقته. . . إلخ " وانظر أيضا ٣: ٢٣٥ - ٢٣٦ من منهاج السنة. ونقل الإمام أبو محمد بن حزم في كتاب (الإمامة والمفاضلة) المدرج في الجزء الرابع من كتابه " الفِصَل " ص ١٥٤ قول من احتج لعثمان على من أنكروا ذلك عليه: " ونفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن حدا واجبا، ولا شريعة على التأبيد، وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي، والتوبة مبسوطة، فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام، وصارت الأرض كلها مباحة ". ونقل مجتهد الزيدية السيد محمد بن إبراهيم الوزير اليمني (المتوفى سنة ٨٤٠) في كتابه الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم (١: ١٤١ - ١٤٢) قول الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي المتشيع في كتابه سرح العيون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك لعثمان. قال ابن الوزير: إن المعتزلة والشيعة من الزيدية يلزمهم قبول هذا الحديث وترك الاعتراض على عثمان بذلك، لأن راوي الحديث عندهم من المشاهير بالثقة والعلم وصحة العقيدة. ثم بسط ابن الوزير الكلام على هذا الموضوع بحجج واستدلالات - استغرقت ثلاث صفحات - دفاعا عن أمير المؤمنين عثمان في رده الحكم. وهذه الحجج من أئمة الزيدية ومجتهديهم - بعد روايته ذلك الحديث عن الإمام المعتزلي المتشيع - لها دلالتها الخاصة، مع الذي سمعته من إمامي أهل السنة شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي ابن العربي، ومن إمام أهل الظاهر أبي محمد بن حزم.