(٢) لمّا انتهى علي من حرب الجمل وسار من البصرة إلى الكوفة فدخلها يوم الاثنين ١٢ من رجب، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية في دمشق يدعوه إلى طاعته. فجمع معاوية رءوس الصحابة وقادة الجيوش وأعيان أهل الشام واستشارهم فيما يطلب علي، فقالوا: لا نبايعه حتى يقتل قتلة عثمان، أو يسلمهم إلينا. فرجع جرير إلى علي بذلك، فاستخلف علي على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر وخرج منها فعسكر بالنخيلة أول طريق الشام من العراق، وقد أشار عليه ناس بأن يبقى في الكوفة ويبعث غيره إلى الشام فأبى. وبلغ معاوية أن عليا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فأشار عليه رجاله أن يخرج هو أيضا بنفسه، فخرج الشاميون نحو الفرات من ناحية صفين، وتقدم علي بجيوشه إلى تلك الجهة. وكان جيش علي في مائة وعشرين ألفا وجيش معاوية في تسعين ألفا، وبدأ القتال في ذي الحجة سنة ٣٦ بمناوشات ومبارزات، ثم تهادنوا في المحرم سنة ٣٧ واستؤنف القتال بعده، وقتل في هذه الحرب سبعون ألفا، وكانت الوقائع ٩٠ وقعة في ١١٠ أيام، وامتازت هذه الحرب بنبل الشجاعة في القتال، ونبل التعامل والاتصال عند التهادن والراحة. ثم كتب التحكيم يوم ١٣ صفر سنة ٣٧ على أن يعلن الحكمان حكمهما في رمضان بدومة الجندل بمكان منها يسمى أذرح.