للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وصوله إلى بيت المقدس]

وصوله إلى بيت المقدس: وواصل ابن العربي رحلته مع أبيه إلى بيت المقدس، وكان فيها الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي الفهري (٤٥١-٥٢٠) من كبار علماء المالكية الأندلسيين، وهو كابن العربي خرج من الأندلس إلى المشرق فذهب إلى العراق وجاء منها إلى دمشق وبيت المقدس، فلقيه فيها ابن العربي واستفاد منه كثيرا قبل مجيء الطرطوشي إلى الإسكندرية. ويقول ابن العربي فيما نقله عنه صاحب نفح الطيب (١: ٣٤١) : تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي حديث أبي ثعلبة (١) المرفوع: «إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم» . فقالوا: " منهم ". فقال: " بل منكم (أي من الصحابة) لأنكم تجدون على الخير أعوانا، وهم لا يجدون عليه أعوانا ".

وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، واقتحموا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ، فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح (٢) وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها أحد ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها- من فروع الدين-يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام، وهو أيضا انتهاؤه. . . حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف، وباع نفسه في


(١) هو أبو ثعلبة الخشني، والحديث في باب الأمر والنهي من كتاب الملاحم في سنن أبي داود (ك ٣٦ ب ١٧) وفي كتاب الفتن من سنن ابن ماجه (ك ٣٦ ب ٢١) وفي كتاب التفسير من جامع الترمذي (ك ٤٤ ب ١٨) .
(٢) أي في (كتاب النيرين، في الصحيحين) لابن العربي.

<<  <   >  >>