للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانطلقوا إلى عثمان فقالوا له: كتبت فينا كذا. قال لهم إما أن تقيموا اثنين من المسلمين، أو يميني - كما تقدم ذكره - فلم يقبلوا ذلك منه (١) . ونقضوا عهده (٢) وحصروه.

[وقائع ومحاورات بين عثمان والبغاة عليه]

وقد روي أن عثمان جيء إليه بالأشتر، فقال له: يريد القوم منك إما أن تخلع نفسك، أو تقص منها، أو يقتلوك! فقال: أما خلعي فلا أترك أمة محمد بعضها على بعض. وأما القصاص، فصاحباي قبلي لم يقصا من أنفسهما، ولا يحتمل ذلك بدني (٣) .

وروي أن رجلًا قال له: نذرت دمك. قال: خذ جبتي. فشرط فيها شرطة بالسيف أراق منه دمه، ثم خرج الرجل وركب راحلته وانصرف في الحين (٤) .


(١) لأنهم ما جاءوا ليقبلوا حقًا أو يرجعوا إلى شرع، وإنما جاءوا ليخلعوه أو يسفكوه دمه.
(٢) الذي تقدم في ص ١٢٥ أنهم قطعوه على أنفسهم بأن لا يشقوا عصًا ولا يفرقوا جماعة.
(٣) هذا الخبر في تاريخ الطبري (٥: ١١٧ - ١١٨) ، وفي البداية والنهاية (٧: ١٨٤) ، وفي أنساب الأشراف للبلاذري (٥: ٩٢) .
(٤) هذا الخبر في كتاب (التمهيد) للإمام أبي بكر الباقلاني ص ٢١٦. وأعجب من ذلك ما رواه الطبري (٥: ١٣٧ - ١٣٨) أن عمير بن ضابئ البرجمي وكميل بن زياد النخعي حضرا إلى المدينة ليغتالا عثمان تنفيذا لقرار اتخذوه في الكوفة مع بقية عصابتهم، فلما وصلا إلى المدينة نكل عمير، وترصد كميل للخليفة حتى مر به، فلما التقيا ارتاب منه عثمان، ووجأ وجهه فوقع على استه، فقال لعثمان: أوجعتنى يا أمير المؤمنين، قال عثمان: أولست بفاتك؟! قال: لا والله الذي لا إله إلا هو. فاجتمع الناس وقالوا: نفتشه يا أمير المؤمنين فقال: لا. قد رزق الله العافية، ولا أشتهي أن أطلع منه على غير ما قال. ثم قال لكميل: ((إن كان كما قلت فاقتد مني (وجثَا) فوالله ما حسبتك إلا تريدني)) وقال: ((إن كنت صادقًا فأجزل الله، وإن كنت كاذبًا فأذل الله)) وقعد له على قدميه وقال ((دونك!)) فقال كميل: ((تركت)) . أيها القارئ الكريم، إن هذا الموقف ليس موقف خليفة فضلًا عمن دونه، بل هو موقف المتخلقين بأخلاق الأنبياء. على أن الله يمهل ولا يهمل. فقد جاء الحجاج بعد أربعين سنة فقتل ضابئًا وقتل كميلا بما أراداه في هذا الحادث من الفتك برجل خلق قلبه من رحمة الله، و (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته) .

<<  <   >  >>