للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة (١) فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. فقال حبيب: حُفظت وعُصمت.

[ابن عمر يعلن في الثورة على يزيد أن في عنقه البيعة الشرعية له]

وروى البخاري (٢) أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة» وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله (٣) وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن نبايع رجلًا على


(١) حبيب بن مسلمة الفهري مكي كان عند وفاة النبي صلي الله عليه وسلم صبيا، ثم التحق بالشام للجهاد فاشتهرت بطولته، ويعد فاتح أرمينية، ويقال إنه كان قائد النجدة التي خرجت من الشام لإنقاذ عثمان من أيدي البغاة عليه، فجاءه الخبر بشهادته وهي في الطريق فعادت.
(٢) في كتاب الفتن من صحيحه (ك ٩٢ ب ٢١ - ج ٨ ص ٩٩) .
(٣) وهذا الخبر المنير الذي يرويه البخاري في صحيحه يفضح الذين زوروا على وهب بن جرير تلك الأخبار المتناقضة بأن ابن عمر وغيره لم يبايعوا ليزيد، وأن معاوية أقام على رءوسهم من يقطعها إذا كذبوه فيما افتراه عليهم من أنهم بايعوا لابنه. فتبين الآن أنه لم يفتر عليهم، وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف - أي في ثورة أهل المدينة على يزيد بتحريض ابن الزبير وداعيته ابن مطيع - أن في عنقه ما في أعناقهم بيعة شرعية لإمامهم على بيع الله ورسوله، وأن من أعظم الغدر أن تبايع الأمة إمامها ثم تنصب له القتال. ولم يكتف ابن عمر بذلك في تلك الثورة على يزيد بل روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه (ك ٣٢ ح ٥٨ - ج ٦ ص ٢٢) أن ابن عمر جاء إلى ابن مطيع داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة فقال ابن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال ابن عمر: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: " من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ". وكان لمحمد بن علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية) مثل هذا الموقف من داعية الثورة ابن مطيع سيراه القارئ في ص ٢٢٧ - ٢٢٨ عند الكلام على سيرة يزيد.

<<  <   >  >>