الحديث الصحيح إلى آخره، فلينظر فيه. وهذا أيضًا ليس بنص في المسالة، لأن قوله:«لا نورث، ما تركناه صدقة» يحتمل أن يكون: لا يصح ميراثنا، ولا أنا أهل له، لأنه ليس لي ملك، ولا تلبست بشيء من الدنيا فينتقل إلى غيري عني. ويحتمل " لا نورث " حكم، وقوله " ما تركناه صدقة " حكم آخر معين أخبر به أنه قد أنفذ ذلك مخصوصًا بما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان له سهمه مع المسلمين فيما غنموا بما أخذوه عنوة. ويحتمل أن يكون " صدقة " منصوبًا على أن يكون حالًا من المتروك. إلى هذا أشار أصحاب أبي حنيفة، وهو ضعيف، وقد بيناه في موضعه. بيد أنه يأتيك في هذا أن المسألة مجرى الخلاف، ومحل الاجتهاد، أنها ليست بنص من النبي صلى الله عليه وسلم فتحتمل التصويب والتخطئة من المجتهدين والله أعلم.
[قاصمة بيعة الحسن وصلحه مع معاوية]
قاصمة ثم قتل علي. قالت الرافضة: فعهد إلى الحسن، فسلمها الحسن إلى معاوية، فقيل له " مُسَوِّدُ وجوه المؤمنين (١) " وفسقته جماعة من الرافضة،
(١) من عناصر إيمان الرافضة - بل العنصر الأول في إيمانهم - اعتقادهم بعصمة الحسن وأبيه وأخيه، وتسعة من ذرية أخيه. ومن مقتضى عصمتهم - وفي طليعتهم الحسن بعد أبيه - أنهم لا يخطئون، وأن كل ما صدر عنهم فهو حق، والحق لا يتناقض. وأهم ما صدر عن الحسن بن علي بيعته لأمير المؤمنين معاوية، وكان ينبغي لهم أن يدخلوا في هذه البيعة، وأن يؤمنوا بأنها الحق لأنها من عمل المعصوم عندهم. لكن المشاهد من حالهم أنهم كافرون بها. ومخالفون فيها لإمامهم المعصوم. ولا يخلو هذا من أحد وجهين: فإما أنهم كاذبون في دعوى العصمة لأئمتهم الاثني عشر فينهار دينهم من أساسه، لأن عقيدة العصمة لهم هي أساسه، ولا أساس له غيرها. وإما أن يكونوا معتقدين عصمة الحسن، وأن بيعته لمعاوية هي من عمل المعصوم، لكنهم خارجون على الدين، ومخالفون للمعصوم فيما جنح إليه وأراد أن يلقى الله به. ويتواصون بهذا الخروج على الدين جيلا بعد جيل، وطبقة بعد طبقة، ليكون ثباتهم على مخالفة الإمام المعصوم عن إصرار وعناد ومكابرة وكفر. ولا ندري أي الوجهين يطوح بهم في مهاوي الهلكة أكثر مما يطوح بهم الوجه الآخر، ولا ثالث لهما. فالذين قالوا منهم إن الحسن " مسود وجوه المؤمنين " لا يحمل كلامهم إلا على أنه " مسود وجوه المؤمنين بالطاغوت " أما المؤمنون بنبوة جد الحسن صلى الله عليه وسلم فيرون صلحه مع معاوية وبيعته له من أعلام النبوة، لأنها حققت ما تنبأ به صلى الله عليه وسلم في سبطه سيد شباب أهل الجنة من أنه سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين كما سيأتي بيانه. وكل الذين استبشروا بهذه النبوة وبهذا الصلح يعدون الحسن " مبيض وجوه المؤمنين ".