للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حديث لا نورث ما تركناه صدقة]

وقال لفاطمة وعلي والعباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» . فذكر الصحابة ذلك (١) .


(١) في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري (٦٢ ب ١٢ - ج ٤ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠) حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة. إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل " وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتشهد علي ثم قال: إنا عرفنا يا أبا بكر فضيلتك (وذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم) فتكلم أبو بكر فقال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي. وأوسع منه في كتاب المغازي بباب غزوة خيبر من صحيح البخاري (ك ٦٤ ب ٢٨ - ج ٥ ص ٨٢) .
وفي كتاب الوصايا من صحيح البخاري (ك ٥٥ ب ٣٢ - ج ٣ ص ١٩٧) وكتاب فرض الخمس (ك ٥٧ ب ٣ ـ ج ٤ ص ٤٥) حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مناهج السنة (٢: ١٥٨) : قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نورث، ما تركنا صدقة " رواه عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن عوف، والعباس بن عبد المطلب، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة، والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد. وقال قبل ذلك (٢: ١٦٧) : إن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا، لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم. ثم إن من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه ومنهن عائشة بنت أبي بكر وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته.
وفي كتاب فرض الخمس من صحيح البخاري (ك ٥٧ ب ١ـ ج ٤ ص ٤٢) حديث ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرت أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث، ما تركنا صدقة ". . . فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: " لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به. فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ ".
وفي الباب نفسه من صحيح البخاري (ج ٤ ص ٤٢ - ٤٤) من حديث الإمام مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه قال: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار، إذا رسول عمر بن الخطاب، فقال: أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه. فبين أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟ قال: نعم. فأذن لهم. . . ثم جلس يرفأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم. فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا - وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير - فقال الرهط، عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. قال عمر: تيدكم. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث، ما تركنا صدقة " يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. (وبعد أن ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله سنتهم من هذا المال ثم يجعل ما بقي مال الله، واستشهد على ذلك فشهدوا، قال) : ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا - يريد عليا - يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث، ما تركنا صدقة ". فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيه أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها. فقلتما: ادفعها إلينا: فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم. ثم أقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكماها.
وأورد البخاري حديث مالك بن أوس هذا في كتاب المغازي من صحيحه (ك ٦٤ ب ١٤ - ج ٥ ص ٢٣ - ٢٤) من حديث شعيب عن الزهري عن مالك بن أوس وفي كتاب النفقات من صحيحه (ك ٦٩ ب ٣ ـ ج ٦ ص ١٩٠ ـ ١٩٢) ، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيحه (ك ٩٦ ب ٥ ج ٨ ص ١٤٦ ـ ١٤٧) . وانظر كتاب الفرائض من صحيح البخاري (ك ٨٥ ب ٣ - ج ٨ ص٣ ـ ٥) . ومسند الإمام أحمد (١: ١٣ الطبعة الأولى - ورقم ٧٧ و٧٨ الطبعة الثانية) .
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في مناهج السنة (٣: ٢٣٠) إلى أن أبا بكر وعمر أعطيا من مال الله أضعاف هذا الميراث للذين كانوا سيرثونه قال: وإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة. ثم قال (٣ - ٢٣١) وقد تولى علي بعد ذلك، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعطي لأولاد فاطمة ولا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولا ولد العباس شيئا من ميراثه. . . إلخ.

<<  <   >  >>