للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن عمر وابن الزبير والحسن ما قصه [المؤرخون] عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه وعن غيره: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد حج، فقدم مكة في نحو ألف رجل. فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحق بهذا الأمر منه (١) . ثم


(١) شباب قريش المعاصرون ليزيد - ممن يحدثون أنفسهم بولاية الأمر لبعض الاعتبارات التي يعرفونها لأنفسهم - كثيرون جدا حتى سعيد بن عثمان بن عفان ومن هم دون سعيد كانوا يطمعون بولاية الأمر بعد معاوية. ومبدأ الشورى في انتخاب الخليفة أفضل بكثير من مبدأ ولاية العهد. لكن معاوية كان يتعلم بينه وبين نفسه أن فتح باب الشورى في انتخاب من يخلفه سيحدث في الأمة الإسلامية مجزرة لا ترقأ فيها الدماء إلا بفناء كل ذي أهلية في قريش لولاية شيء من أمور هذه الأمة. ومعاوية أحصف من أن يخفى عليه أن المزايا موزعة بين هؤلاء الشباب القرشيين، فإذا امتاز أحدهم بشيء منها على أضرابه ولداته، فإن فيهم من يمتاز عليه بشيء آخر منها. غير أن يزيد - مع مشاركته لبعضهم في بعض ما يمتازون به - يمتاز عليهم بأعظم ما تحتاج إليه الدولة، أعني القوة العسكرية التي تؤيده إذا تولى الخلافة، فتكون قوة للإسلام. كما تؤيده إذا أوقع الشيطان الفتنة على هذا الكرسي بين المتزاحمين عليه، فيكون ما لا يحب كل مسلم أن يكون. ولو لم يكن ليزيد إلا أخواله من قضاعة وأحلافهم من قبائل اليمن، لكان منهم ما لا يجوز لبعيد النظر أن يسقطه من قائمة الحساب عندما يفكر في هذه الأمور. أضف هذا إلى ما قرره ابن خلدون عند كلامه على مسير الحسن إلى العراق للخروج على يزيد حيث إن في فصل " ولاية العهد " من مقدمة تاريخه: " وأما الشوكة، فغلط يرحمه الله فيها، لأن عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية قريش في عبد مناف. وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية، تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس ولا ينكرونه، وإنما نسي ذلك أول الإسلام لما شغل الناس من الذهول بالخوارق وأمر الوحي. . . حتى إذا انقطع أمر النبوة والخوارق المهولة تراجع الحكم بعض الشيء للعوائد. فعادت العصبية كما كانت ولمن كانت، وأصبحت مضر أطوع لبني أمية من سواهم ".

<<  <   >  >>