(٢) ولا يتعرض لهم ثم يفارقهم ويكرر ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه. ويثير شكوكهم فيه. وهذا ما أرداه مستأجرو هذا الرجل لتمثيل هذا الدور، ومدبرو هذه المكيدة لتجديد الفتنة بعد أن صرفها الله وأراح المسلمين من شرورها. ولا يعقل أن يكون تدبير هذا الدور التمثيلي صادرا عن عثمان أو مروان أو أي إنسان يتصل بهما، لأنه لا مصلحة لهما في تجديد الفتنة بعد أن صرفها الله، وإنما المصلحة في ذلك للدعاة الأولين إلى إحداث هذا الشغب، ومنهم الأشتر وحكيم بن جبلة اللذان لم يسافرا مع جماعتهما إلى بلديهما، بل تخلفا في المدينة (الطبري ٥: ١٢٠) ولم يكن لهما أي عمل يتخلفان في المدينة لأجله إلا مثل هذه الخطط والتدابير التي لا يفكران يومئذ في غيرها. (٣) وقد صرحوا بأنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح (الطبري ٥: ١٢٠) ولا يعقل أن يكتب إليه عثمان أو مروان؛ لأنه كان عقب حركة الثوار من مصر متوجهين إلى المدينة كتب إلى عثمان يستأذنه بالقدوم عليه (الطبري ٥: ١٢٢) ، وخرج بالفعل من مصر نحو العريش وفلسطين وأيلة (العقبة) وتغلب محمد بن أبي حذيفة على الحكم في مصر، وهو عدو الله ورسوله، وخارج على خليفة المسلمين. فكيف يكتب عثمان أو مروان إلى عبد الله بن سعد وعندهما كتابه الذي يستأذن به في القدوم إلى المدينة؟ . (٤) الأخبار التي جاء فيها أن الراكب غلام عثمان، وأن الجمل جمل الصدقة، وأن عثمان اعترف بذلك، كلها أخبار مرسلة لا يعرف قائلها. أو مكذوبة أذاعها رواة مطعون في صدقهم وأمانتهم. ومضمون الكتاب اضطربت الروايات فيه، ففي بعض الروايات: "إذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري. وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك. وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن التباع الليثي مثل ذلك". وفي رواية: "إذا أتاك محمد بن أبي بكر الصديق ـ وفلان وفلان ـ فاقتلهم وأبطل كتابهم وقر على عملك حتى يأتيك رأيي". وفي رواية ثالثة أن مضمون الكتاب أمر عامله بالقتل والقطع والصلب على هؤلاء الثوار. وهذا الاختلاف في مضمون كتاب واحد مما يزيد الريبة في أمره.