للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصابه شيء. وأي خير كان له في المدافعة، وعن أي شيء كان يدافع؟ وهم ما جاءوا مقاتلين ولا ولاة، وإنما جاءوا ساعين في الصلح، راغبين في تأليف الكلمة، فمن خرج إليهم ودافعهم وقاتلهم دافعوا عن مقصدهم، كما يفعل في سائر الأسفار والمقاصد.

فلما واصلوا إلى البصرة تلقاهم الناس بأعلى المربد مجتمعين (١) حتى لو رمي حجر ما وقع إلا على رأس إنسان. فتكلم طلحة (وتكلم الزبير) وتكلمت عائشة رضي الله عنهم (٢) .

وكثر اللغط (٣) وطلحة يقول ((أنصتوا!)) فجعلوا يركبونه ولا يتصنتون،


(١) مربد البصرة: موضع كانت تقام فيه سوق الإبل خارج البلد، ثم صارت تكون فيه مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء. ثم اتسع عمران البصرة فدخل المربد في العمران فكان من أجل شوارعها، وسوقه من أجل أسواقها، وصار محلة عظيمة سكنها الناس. ولما انحطت منزلة البصرة وهرم عمرانها تضاءلت فأمسى المربد بائنًا عنها حتى كان بينه وبين البصرة في زمن ياقوت ثلاثة أميال، والمربد خراب. كالبلدة المفردة في وسط البرية. وكان موضع البصرة يومئذ قريبًا من موضع ضاحيتها الزبير في أيامنا هذه.
(٢) كان أصحاب الجمل في ميمنة المربد، وعثمان بن حنيف ومن معه في ميسرته، وقد لخص الطبري (٥: ١٧٥) خطب طلحة والزبير وعائشة راويًا ذلك عن سيف بن عمر التميمي عن شيوخه، وهم أعرف الإخباريين بحوادث العراق.
(٣) لأن الذين في الميسرة كانوا يقولون تعليقًا على خطبتي طلحة والزبير: فجرا وغدرا، وقالا الباطل، وأمرا به. قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان. والذين كانوا في الميمنة يقولون: صدقا، وبرا، وقالا الحق، وأمرا بالحق، وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا. إلا أنه لما انتهت عائشة من خطبتها ثبت الذين مع أصحاب الجمل على موالاتهم لهم، وافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة: صدقت والله وبرت وجاءت بالمعروف، وقال الآخرون: كذبتم ما نعرف ما تقولون. فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا.

<<  <   >  >>