للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلما أرضيتم وحبيتم فعلتم قالوا: إنا والله ما فعلنا. قالوا: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب؟ ثم بايع أهل المدينة والناس، ثم خرج إلى الشام.

قال القاضي أبو بكر (رضي الله عنه) : لسنا ننكر، ولا بلغت بنا الجهالة، ولا لنا في الحق حمية جاهلية، ولا ننطوي على غل لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل نقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠] إلا أن نقول، إن معاوية ترك الأفضل في أن يجعلها شورى، وألا يخص بها أحدًا من قرابته فكيف ولدًا، وأن يقتدي بما أشار به عبد الله بن الزبير في الترك أو الفعل (١) فعدل إلى ولاية ابنه وعقد له البيعة وبايعه الناس، وتخلف عنها من تخلف (٢) فانعقدت البيعة شرعًا، لأنها تنعقد بواحد وقيل باثنين (٣) .

فإن قيل: لمن فيه شروط الإمامة، قلنا: ليس السن من شروطها ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها.

[فإن] قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلًا ولا


(١) كان معاوية أعرف بابن الزبير من ابن الزبير نفسه، روى البلاذري في أنساب الأشراف (٤ " ٢ ": ٥٣ - ٥٤) عن المدائني عن مسلمة بن علقمة عن خالد عن أبي قلابة أن معاوية قال لابن الزبير: " إن الشح والحرص لن يدعاك حتى يدخلاك مدخلا ضيقا، فوددت أني حينئذ عندك فأستنقذك ". فلما حصر ابن الزبير قال: " هذا ما قال لي معاوية، وددت أنه كان حيا ".
(٢) عدل عن الوجه الأفضل لما كان يتوجس من الفتن والمجازر إذا جعلها شورى، وقد رأى القوة والطاعة والنظام والاستقرار في الجانب الذي فيه ابنه.
(٣) انظر ص ١٤٤، والفصل لابن حزم ٤: ١٦٧ - ١٦٩.

<<  <   >  >>