وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، لا أفقهها فقهًا ولا أعظمها فيها شرفًا. وأنا أقول ذلك. ولكن والله لأن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق. أرأيتم بابًا دخل فيه أمة محمد ووسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو كان دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أريق دم أخي ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتيك من الحياء إلا خير» .
فهذه الأخبار الصحاح كلها تعطيك أن ابن عمر كان مسلمًا في أمر يزيد، وأنه بايع وعقد له والتزم ما التزم الناس، ودخل فيما دخل فيه المسلمون، وحرم على نفسه ومن إليه بعد ذلك أن يخرج على هذا أو ينقضه.
وظهر لك أن من قال: إن معاوية كذب في قوله بايع ابن عمر ولم يبايع، وأن ابن عمر وأصحابه سئلوا فقالوا " لم نبايع " فقد كذب. وقد صدق البخاري في روايته قول معاوية في المنبر " إن ابن عمر قد بايع " بإقرار ابن عمر بذلك (١) وتسليمه له وتماديه عليه.
فأي الفريقين أحق بالصدق إن كنتم تعلمون؟ الفريق الذي فيه البخاري، أم الذي فيه غيره؟
(١) في ثورة المدينة على يزيد، وفي المناسبات الأخرى. انظر ص ٢٢٤.