للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالف له عهدا، ولا نكث عقدا، ولا اقتحم مكروها ولا خالف سنة (١) .


(١) وكيف لا يكون عثمان عند الظن به وقد شهد له بطهارة السيرة وحسن الخاتمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي. قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عثمان من (الإصابة) : جاء من أوجه متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر عثمان بالجنة، وعده من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة. والحديث الذي يتواتر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرتاب فيه ولا يجنح إلى غير مدلوله إلا الذي يرضى لنفسه بأن يقتحم أبواب الجحيم. وروى الترمذي من طريق الحارث بن عبد الرحمن، عن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي رفيق، ورفيقي بالجنة عثمان ".
وقال الحافظ ابن عبد البر في ترجمته عثمان من كتاب (الاستيعاب) ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سألت ربي عز وجل أن لا يدخل النار أحدا صاهر إلي أو صاهرت إليه ". وشهادة أخرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الإنسان الأفضل يتمنى مثلها أبو بكر وعمر وعلي. فقد روى الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه (ك ٤٤ ب ٢٦ ـ ج ٧ ص ١١٦ ـ ١١٧) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عثمان: " ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟ " وفي صحيح البخاري (ك ٦٢ ب ٧ - ج ٤ ص ٢٠٣) عن نافع، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر، ثم عثمان. ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذا النورين؟ قال: لأنه لم يعلم أن أحدا أرسل سترا على ابنتي نبي غيره. وروى خيثمة في فضائل الصحابة عن النزال بن سبرة العامري (أحد الذين أخذوا عن أبي بكر وعثمان وعلي، وهو من شيوخ الشعبي والضحاك وطبقتهما) قال: قلنا لعلي حدثنا عن عثمان، فقال: "ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين". وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة: "بايعنا خيرنا ولم نأل". ووصفه علي بن أبي طالب بعد انقضاء أجله فقال: " كان عثمان أوصلنا للرحم، وكان من الذين آمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين ". وروى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: " لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه ". وعبد الله بن عمر كان شاهد عيان لخلافة عثمان من أولها إلى آخرها، وكان أشد الناس في التزام السنة المحمدية، ومع ذلك فإنه يشهد لعثمان بأن كل ما عتبوا به عليه كان يحتمل أن يكون من عمر ـ وهو أبوه ـ ولو كان ذلك من عمر لما عتب أحد به عليه. وقال مبارك بن فضالة مولى زيد بن الخطاب سمعت عثمان يخطب وهو يقول " يا أيها الناس ما تنقمون علي، وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا ". وقال الحسن البصري: شهدت منادى عثمان ينادي: يا أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون ويأخذونها وافية. يا أيها الناس اغدوا على أرزاقكم فيغدون ويأخذونها وافية. حتى ـ والله ـ سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسوتكم. فيأخذون الحلل. واغدوا على السمن والعسل. قال الحسن: أرزاق دارة، وخير كثير، وذات بين حسن. ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا إلا يوده وينصره ويألفه. فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق ولكنهم لم يصبروا وسلوا السيف مع من سل، فصار عن الكفار مغمدا، وعلى المسلمين مسلولا (روى ذلك عنه الحافظ ابن عبد البر) وقال ابن سيرين ـ صنو الحسن البصري وزميله وهو أيضا كان معاصرا لعثمان ـ: " كثر المال في زمان عثمان حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم ". وسئل عبد الله بن عمر بن الخطاب عن علي وعثمان. فقال للسائل: (قبحك الله! تسألني عن رجلين ـ كلاهما خير مني ـ تريد أن أغض من أحدهما وأرفع من الآخر؟ !) .

<<  <   >  >>