للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعمار إفك مثله، ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا (١) .


(١) روى الطبري (٥: ٩٩) عن سعيد بن المسيب أنه كان بين عمار وعباس بن عتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب. قلت: وهذا مما يفعله ولي الأمر في مثل هذه الأحوال قبل عثمان وبعده، وكم فعل عمر مثل ذلك بأمثال عمار ومن هم خير من عمار بما له من حق الولاية على المسلمين. ولما نظم السبئيون حركة الإشاعات، وصاروا يرسلون الكتب من كل مصر إلى الأمصار الأخرى بالأخبار الكاذبة فأشار الصحابة على عثمان بأن يبعث رجالا ممن يثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال، تناسى عثمان ما كان من عمار، وأرسله إلى مصر ليكون موضع ثقته في كشف حالها. فأبطأ عمار في مصر، والتف به السبئيون ليستميلوه إليهم، فتدارك عثمان وعامله على مصر هذا الأمر، وجيء بعمار إلى المدينة مكرما. وعاتبه لما قدم عليه فقال له - على ما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (٧: ٤٢٩) -: " يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك. . . وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه. اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة، اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي. اخرج عني يا عمار " فخرج، فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه وانتفى من ذلك، وإذا لقي من يأمنه بذلك أظهر الندم، فلامه الناس وهجروه وكرهوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٣: ١٩٢ - ١٩٣) : وعثمان أفضل من كل من تكلم فيه، هو أفضل من ابن مسعود، وعمار، وأبي ذر، ومن غيرهم من وجوه كثيرة كما ثبت ذلك بالدلائل، فليس جعل كلام المفضول قادحا في الفاضل بأولى من العكس. وكذلك ما نقل من تكلم عمار في عثمان، وقول الحسن فيه (أي في عمار) . نقل أن عمارا قال: لقد كفر عثمان كفرة صلعاء. فأنكر الحسن بن علي ذلك عليه، وكذلك علي وقال له: يا عمار، أتكفر برب آمن به عثمان؟ قال ابن تيمية: وقد تبين من ذلك أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي لله، ويكون مخطئا في هذا الاعتقاد ولا يقدح هذا في إيمان واحد منهما وولايته. كما ثبت في الصحيح أن أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: إنك منافق تجادل عن المنافقين. وكما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال صلى الله عليه وسلم: " إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". فعمر أفضل من عمار، وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة، وحجة عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار، ومع هذا فكلاهما من أهل الجنة، فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة وإن قال أحدهما للآخر ما قال؟ مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك. . . ثم قال شيخ الإسلام: وفي الجملة، فإذا قيل إن عثمان ضرب ابن مسعود أو عمارا فهذا لا يقدح في أحد منهم. فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة، وأنهم من أكابر أولياء الله المتقين. وإن ولي الله قد يصدر عنه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية، فكيف بالتعزير. وقد ضرب عمر بن الخطاب أبيّ بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه وقال: " هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع " فإن كان عثمان أدب هؤلاء. فإما أن يكون عثمان مصيبا في تعزيرهم لاستحقاقهم ذلك، ويكون ذلك الذي عزروا عليه تابوا منه وكفر عنهم بالتعزير وغيره من المصائب أو بحسناتهم العظيمة أو بغير ذلك. وإما أن يقال كانوا مظلومين مطلقا. فالقول في عثمان كالقول فيهم وزيادة، فإنه أفضل منهم، وأحق بالمغفرة والرحمة. . . . إلخ.

<<  <   >  >>