للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن يكون في مثل هذه السن يُرسل مصدقا؟ ! (١) .

وبهذا الاختلاف يسقط


(١) هذا الخبر عن سن الوليد بن عقبة يوم فتح مكة رواه الإمام أحمد في مسنده (٤: ٣٢ الطبعة الأولى) عن شيخ له هو فياض بن محمد الرقي عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي عن عبد الله الهمداني وهو (عبد الله بن مالك بن الحارث) عن الوليد بن عقبة، والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل الناس في السنين الأخيرة من حياته واختار الإقامة في قرية له من أعمال الرقة، فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين وأخذه الإمام أحمد عن شيخ له منهم. وعبد الله الهمداني ثقة، لكن التبس اسمه في غير هذه الرواية بهمداني آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث (أي على اسم والد عبد الله الهمداني) وهو مجهول عند أهل الجرح والتعديل، أما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية الإمام أحمد فمعروف وموثوق به، وعلى روايته وأمثالها اعتمد القاضي ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة بأنه كان صبيا عند فتح مكة وأن الذي نزلت فيه آية " إََِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ " هو شخص آخر. ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوى في تشويه هذا الصحابي الشاب المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أنهم حاولوا إدحاض حجة صغر سنه في ذلك الوقت بخبر آخر روي عن قدومه مع أخيه عمارة إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة ليطلبا من النبي صلى الله عليه وسلم رد أختهما أم كلثوم إلى مكة. وأصل هذا الخبر - إن صح - مقدّم فيه اسم عمارة على اسم الوليد، وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الأصل في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته، وأي مانع يمنع قدوم الوليد صبيا بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان؟ فقول الوليد إنه كان في سنة الفتح صبيا ليس في خبر قدومه مع أخيه الكبير إلى المدينة في السنة السابعة ما يمنعه أو يناقضه. فإذا تقرر عندك أن جميع الأخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول آية " إََِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ " لا يجوز علميا أن يبنى عليها حكم شرعي أو تاريخي، وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتح، يتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر للوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدر شبابه.

<<  <   >  >>