ومَن له حقٌّ في بيتِ المالِ، فأُحيلَ على بعضِ المظالِمِ، فقلتُ له (١): لا تستخرجْ أنتَ هذا، ولا تُعِنْ على استخراجِه؛ لأنه ظلمٌ؛ لكن اطلُبْ حقَّكَ من المالِ المحصَّلِ عندَهم، وإن كان مجموعًا من هذه الجهةِ وغيرِها، فإنَّ ما اجتمعَ في بيتِ المالِ، ولم يُرَدَّ إلى أصحابِه؛ فصَرْفُه في مصالِحِ المسلمِينَ أَوْلى من صَرْفِه فيما لا يَنتفعُ به أصحابُه.
وأيضًا: فإنه يصيرُ مختلطًا، فلا يبقى محكومًا بتحريمِه بعينِه، معَ كونِ الصرفِ إلى مثلِ هذا واجبًا على المسلمِينَ، فإن الولاةَ يظلمونَ تارةً في الاستخراجِ، وتارةً في صَرْفِها، فلا تَحِلُّ إعانتُهم على الظلمِ في الاستخراجِ، ولا أخذِ الإنسانِ ما لا يستحِقُّه.
وأما ما يسوغُ فيه الاجتهادُ من الاستخراجِ والصرفِ؛ فكمسائلِ الاجتهادِ، وما لا يسوغُ فيه اجتهادٌ من الأخذِ والإعطاءِ؛ فلا يُعاوَنونَ؛ لكن إذا كان المصروفُ إليه مستحِقًّا لمقدارِ المأخوذِ؛ جاز أخذُه من كلِّ مالٍ يجوزُ صَرْفُه؛ كالمالِ المجهولِ مالكُه.
فإن امتنعوا من إعادتِه إلى مستحِقِّه؛ فهل الأَوْلى إقرارُه بأيدي الظلمةِ، أو السعيُ في صَرْفِه في مصالِحِ المسلمِينَ؛ إذا كان الساعي في ذلك ممن يكرهُ أصلَ أخذِه، ولم يُعِنْ على أخذِه؛ بل سعى في منعِ أخذِه؟
(١) قوله: (فقلت له)، هي في (ك) و (ع): قال شيخ الإسلام: قد قلت لمن سألني عن ذلك.