ومن رأي المحتسب رجلاً يسفه في مجالس الحكم، أو يطعن على الحاكم في حكمه، عزره، وإذا رأى القاضي قد استشاط على رجل غيظاً، أو شتمه، أو احتد عليه في كلامه، ردعه عن ذلك، ووعظه، وخوفه الله عز وجل، فإن القاضي لا يجوز له أن يحكم وهو غضبان، ولا يقول هجراً، ولا يكون فظاً غليظاً.
* * *
الباب الثامن عشر والمائة
في مجالس الأمراء والولاة
ينبغي للمحتسب أن يتردد إلى مجلس الولاة، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويذكرهم، ويعظهم، ويأمرهم بالشفقة عليهم، والإحسان إليهم، ويذكر لهم ما ورد في ذلك من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن في وعظه، وردعه، وقوله بشوشاً غير جبار عبوس، وليكن شيمته الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق، عند أمره ونهيه، فإن ذلك أبلغ لاستمالة القلوب، وحصول المقصود، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: ١٥٩]، وقد ذكرنا ذلك في أول الكتاب.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله رفيق يحب كل رفيق، يعطي على الرفق ما لا يعطي على التعنيف"، وينهى الفقراء، وأهل الكدية عن قراءة القرآن في الأسواق، فقد نهت الشريعة عن ذلك.
ولو شرعت في جميع ما يفعله المحتسب من أمور الحسبة، لضاقت به الأوراق، وطال فيه الشرح ولكني قد وضعت أصولاً وقواعد يستعين بها المحتسب على أموره، ولعملي أن الضابط في أمور الحسبة هو الشرع المطهر، فكل ما نهت عنه الشريعة وجب على المحتسب إزالته، والمنع منه، وما أباحته الشريعة أقره على ما هو عليه، ولهذا قلنا في أول الكتاب: يجب أن يكون المحتسب فقيهاً، عالماً بأحكام الشريعة، ومتى كان جاهلاً اختلفت عليه الأمور، ووقع في المحذور والمحظور.