ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ويأمرهم أن يبينوا للمشتري غشوش النحاس، فإنها كثيرة، فينبغي أن يبينوا عيوبها لمن يشتريها، ويجري الأمر في باعته ومناديه، على ما رسمنا. ولا يأخذ السمسار جعالته إلا من البائع، بحكم أن لا يكون البيع مسلماً، وإذا لحم المكسور يكتب على جنبه ملحوماً، ويكتب على الجديد جديداً، والعتيق عتيقاً، والسبّاكون قد يجعلون فيما يسبكونه من النحاس خبث الفضة والرصاص، فينكسر ما يعمل منه بسرعة، وينخسف الهواوين على الضعفاء والمساكين، ويمزجون النحاس المضروب بالمصبوب، فيمنعون من ذلك؛ لأنه غش.
* * *
الباب الرابع والستون
في النجارين والبنائين والفعلة والنشارين
ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً له دين وبصيرة بصناعتهم، فقد يوافق أكثر الصناع على أجرة معلومة كل يوم، فيتأخرون عند الغدو، وينصرفون قبل المساء، فينبغي أن يشترط في ذلك بما يمتنع منه، ولا ينصرفوا إلا مساءً، ومن البنائين والنجارين من يقرب على أصحاب الأشغال من يعملونه لهم، ويهونونه عليهم، ويقللون مؤونته، حتى إذا نشطوا إليه، وشرعوا فيه، طالبوهم بزيادة المؤونة عما قرروه، فكان في ذلك خطر، وغش؛ لأنه ربما افتقر، وركبه دين بسببه، وربما ألجأته الضرورة فباع الموضع بسبب المطالبة قبل إتمامه، وفي هذا أذية عظيمة، فينبغي أن يتقدم المحتسب بالمنع من ذلك أتم المنع، بالأيمان المؤكدة، ومتى لم يستعمل من يبنى من الصناع ما لم يصح به من زوايا، وموازين، وخيوط، ثم جرى فيما عمله زيغ، أو ميل، أو انحراف عن الاستواء، لزمه عيب ذلك وفساده، إلى أن يعود صحيحاً مستقيماً، ومتى قطع البناؤون من أخشاب الناس المستأجرة للدعائم شيئاً، لزمهم أرشه، وعليه الأدب بعد الإنذار.
ويلزم الفعلة بلباس التباين الملحم، فإن فيه سترة لعوراتهم عند تعريهم في أشغالهم، في طلوعهم ونزولهم، ولا ينصرفون إلا عند المغيب، وكذلك البناؤون والنشارون، فيلزمهم أن يعمل كل مقص ثلاث أنفس، أحدهم يحد المنشار، وإذا تعب واحد من الاثنين ناب عنه الآخر إلى أن يأخذ صاحبه راحة، ولا ينصرفوا إلى آخر النهار، ويمنعوا