ينبغي أن يكون المقدم على الأطباء، والمرجوع إليهم منهم، من كثرت حرمته، وتبالغت تجربته، ويحالف بما لا له كفارة، أن يطالب سائر الأطباء بما شرحه يوحنا بن ماسويه المتطبب في كتابه المعروف بـ"محنة الطبيب"، فمن وجده قيماً بجميع ما حوته شروطه فصلاً فصلاً، أمره في معيشته، وأعلمه أنه قد أحسن إليه، وأنه إذا لم يطالبه بما شرط جالينوس في "محنة الطبيب"، فإنه لا يكاد أن يقوم بذلك كثير منهم، ومن كان بضد ذلك صرفه عن هذه المعيشة، ويمضي في الدروس، فيلزم قراءة الكتب قبل انتصابه لمداواة الناس؛ لما في ذلك من الضرر الواقع بالمرضى، فقد بلغني أن ملوك الأكاسرة جعلوا الأطباء الذين يختصون بهم، ويتيقنون فضيلتهم ولاة على سائر المتطببين، فكانوا يمتحنون من يريد الجلوس للناس، فمن وجدوه قيماً بما التمسه، طبائعياً، أباحوه ذلك، وكتبوا له رقعة إلى المحتسب بجلوسه، وإن كان بالضد صرفوه.
وينبغي أيضاً أن يقرأ عليه ما شرطه بقراط على نفسه، وعلى سائر المتطببين، ويحلفهم عليه، وعلى أنهم لا يعطون لأحد دواءً قتالاً، ولا يشيرون به، ولا يعطون للنسوان العوسج، وهي الصوفة التي تسقط الأجنة، ولا المعجون المعروف بالمرهم، فإنه يقتل الأجنة، ولا للرجال ما يقطع النسل، وليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم إلى المرضى، ولا يفشون الأسرار، ويهتكون الأستار، ويكون عنده آلات الطب مكملة، وهي كلبات الأضراس، وكلبات العلق، ومكاوى الطحال، وزراقات الذكر، وملزم البواسير، ومخرط المناخر، وقالب التشمير، ورصاص التثقيل، ومفتاح الرحم، وبوار النساء، وكدة الحشا، وقدح الشوصة، وجميع ما يحتاجه.
وينبغي أن يرجع إلى رأي هذا المقدم الطبائعي، ويتشاورون إلا عرض مريض يشك فيه، ويختلف عليه، حتى يطابق على مداواته، ويتقدم إليهم بأن لا يأمروا بإخراج الدم في غير الفصول؛ لأن من المتطببين من غرضه أخذ العوض عن إخراج الدم، فينبغي أن