للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينهوا عن ذلك؛ لأنه ربما أعقبت أمراضاً سوداوية وإعلالاً للرطوبة.

وأما الفصادون، فينبغي أن لا يتصدى للفصد إلا من اشتهرت معرفته بتشريح الأعضاء والعروق، والمفاصل، والشرايين، وأحاط بمعرفة تركيبها، وكيفيتها؛ لئلا يقع المبضع في عرض غير مقصود، أو في عضلة، أو في شريان، فيؤدي إلى زمانة العضو، وهلاك المفصود، فكثير من هلك من ذلك، ومن أراد تعلم الفصد، فليدمن في ورق السلق، يعني يفصد في العروق التي في الورقة، حتى تستقيم يده.

وينبغي أيضاً للفاسد أن يمنع نفسه من عمل صناعة مهينة تكسب أنامله منها صلابة، ويعتمد عشر خصال تلين العروق، وأن يراعى بصره بالأكحال المقوية له، والأيارجات إن كان ممن يحتاج إليها، وأن لا يفصد عبداً إلا بإذن مولاه ولا صبياً إلا بإذن وليه، ولا حاملاً ولا طامثاً، وأن لا يفصد إلا في مكان مضيء، وبآلة ماضية، ولا يفصد وهو منزعج.

وبالجملة أن يكون المحتسب يأخذ عليهم العهد إلا يفصدوا في عشرة أمزجة، وليحذروا فيها إلا بعد مشاورة الأطباء، وهي: في السن القاصرة عن الرابع عشر، وفي سن الشيخوخة، وفي الأبدان الشديدة اليبس، وفي الأبدان المتخلخلة، وفي الأبدان البيض المرهلة، وفي الأبدان الصفر العديمة الدم، ولا في الأبدان التي طالت بها الأمراض، وفي الأمزجة الشديدة البرد، وعند الوجع الشديد، فهذه الأحوال التي يكشف عنها الفاسد في وجودها، وقد نهت الحكماء والأطباء عن الفصد في خمسة أحوال، ولكن مضرتها دون مضرة العشرة المقدم ذكرها، فالحالة الأولى الفصد عقيب الجماع، وبعد الاستحمام المحلل، وفي حالة الامتلاء من الطعام، وفي حالة امتلاء المعدة والمعى من الثقل، وفي حال شديد البرد والحر، فهذه الأحوال يتوقى الفصد فيها.

واعلم أن الفصد له وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، فأما وقت الاختيار، فهو صحوة نهار بعد تمام الهضم والنقص، وأما وقت الاضطرار، فهو الوقت الموجب الذي لا يسع تأخيره، ولا يلتفت فيه إلى سبب مانع.

وينبغي أيضاً للمفتصد أن لا يمتلئ من الطعام بعده، بل يتدرج في الغذاء ويلطفه،

<<  <   >  >>