أسرى بي رجالاً تقرض شفاهم بالمقاريض، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"، وقال الله عز وجل مخبراً عن شعيب، عليه السلام، لما نهى قومه عن بخس الموازين ونقص المكاييل:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}[هود: ٨٨]، ولا يكون المحتسب كما قال ابن همام السلولي:
(إذا نُصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل)
(وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل)
وقال الآخر:
(لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم)
ويجب على المحتسب أن يقصد بقوله وفعله وجه الله تعالى، وطلب مرضاته، خالصاً مخلص النية، لا يشوبه في طويته رياء ولا مراء، ويجتنب في رياسته منافسة الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس، لينشر الله تعالى عليه رداء القبول، وعلم التوفيق، ويقذف له في القلوب مهابة وجلالة، ومبادرة إلى قبول قوله بالسمع والطاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن أحسن فيما بينه وبين الله، أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه".