للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن فضائل معاوية - رضي الله عنه -

أنه كان من الذين أحبُّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يَعِزّوا، فأعزّهم الله

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمْ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمْ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ».

فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه». (رواه البخاري ومسلم).

(خِبَاء) خَيْمَة مِنْ وَبَر أَوْ صُوف، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَيْت كَيْف مَا كَانَ.

قَوْله: (قَالَ وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) قَالَ اِبْن التِّين: «فِيهِ تَصْدِيق لَهَا فِيمَا ذَكَرَتْهُ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَأَنَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك مِثْل ذَلِكَ» (١).

قال ابن كثير: «فالمِدحة في قوله: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه»؛ وهو أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يَوَدُّ أن هندًا وأهلَها وكلَّ كافر يَذلّوا في حال كفرهم، فلما أسلموا كان يحبُّ أن يَعِزّوا، فأعزّهم الله، يعني أهلَ خبائها» (٢).

والحديث يدلُّ على تخصيص هند وأهل خبائها بالذات، ثم مما يؤكدُ إعزازَ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لها بعد الإسلام؛ أنه استَغفرَ لها لما جاءته مبايعةً مع النساء، فنَزل قولُ الله تعالى: {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ}، وجاء وصفُ المبايعات في الآيات بأنهن من (المؤمنات). (الممتحنة:١٢) ويَدخلُ معاويةُ في فضل الحديث السابق، فهو من أهل خباء هند. وفيهم أنزل الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧)} (الممتحنة:٧)، فإن الله جعل بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين الذين عادُوه ـ كأبي سفيان وهند وغيرهما ـ مودة، والله قدير على تبديل العداوة بالمودة، وهو غفور لهم بتوبتهم من الشرك، رحيم بالمؤمنين، وقد صاروا مؤمنين.


(١) باختصار من فتح الباري.
(٢) البداية والنهاية (٨/ ١٣١).

<<  <   >  >>