للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من فضائل معاوية - رضي الله عنه -

ثبوت كونه كاتبًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكتابته الوحي

* عن ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِى سُفْيَانَ وَلاَ يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا نَبِىَّ اللهِ ثَلاَثٌ أَعْطِنِيهِنَّ».

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: عِنْدِى أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِى سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا».

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: «وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ».

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: «وَتُؤَمِّرُنِى حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ».

قَالَ: «نَعَمْ». (رواه مسلم).

قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة بِالْإِشْكَالِ، وَوَجْه الْإِشْكَال أَنَّ أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْم فَتْح مَكَّة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة، وَهَذَا مَشْهُور لَا خِلَاف فِيهِ، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَدْ تَزَوَّجَ أُمّ حَبِيبَة قَبْل ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيل.

قَالَ الْقَاضِي: «وَاَلَّذِي فِي مُسْلِم هُنَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَان غَرِيب جِدًّا. وَخَبَرهَا مَعَ أَبِي سُفْيَان حِين وَرَدَ الْمَدِينَة فِي حَال كُفْره مَشْهُور» (١). وَلَمْ يَزِدْ الْقَاضِي عَلَى هَذَا.

وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح - رحمه الله -: «يَحْتَمِل أَنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيد عَقْد النِّكَاح تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يَرَى عَلَيْهَا غَضَاضَة مِنْ رِيَاسَته وَنَسَبه أَنْ تُزَوَّج اِبْنَته بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ إِسْلَام الْأَب فِي مِثْل هَذَا يَقْتَضِي تَجْدِيد الْعَقْد، وَقَدْ خَفِيَ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا عَلَى أَكْبَر مَرْتَبَة مِنْ أَبِي سُفْيَان مِمَّنْ كَثُرَ عِلْمه وَطَالَتْ صُحْبَته».

هَذَا كَلَام أَبِي عَمْرو - رحمه الله -، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَدَّدَ الْعَقْد، وَلَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَان إِنَّهُ يَحْتَاج إِلَى تَجْدِيده، فَلَعَلَّهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَرَادَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ أَنَّ مَقْصُودك يَحْصُل وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَقِيقَةِ عَقْد. وَاَللَّه أَعْلَم». (اهـ كلام النووي - رحمه الله - مختصرًا).

وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر بعض الأقوال: «وهذه كلها ضعيفة والأحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى عمرة لما رأى في ذلك من الشرف له واستعان بأختها أم حبيبة كما في الصحيحين وإنما وهم الراوي في تسميته أم حبيبة وقد أوردنا لذلك خبرًا مفردًا» (٢).


(١) رُوِي عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يُقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - طَوَتْه دونه فقال: «يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه؟».
فقالت: «بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنت امرؤ نجس مشرك».
فقال: «يا بنية لقد أصابك بعدي شر». ... =
= (أخرجه ابن سعد في الطبقات (٨/ ٧٩) وأخرجه ابن عساكر في التاريخ (٧٩/ ١٥٠) وأورده الحافظ الذهبي في «السير» (٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣) بصيغة التضعيف التي تدل على عدم صحة القصة).
وقد بَيَّنَ الشيخ علي حشيش في الحلقة السبعين من سلسلة (تحذير الداعية من القصص الواهية) التي تصدر تباعًا في مجلة (التوحيد) المصرية أن قصة أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان قصة واهية اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص ووجدت في كتب المغازي والسير بغير تحقيق، فاغتر بها من لا دراية له بعلم الحديث.
وقد سبقه إلى تضعيف القصة الشيخ الألباني في (فقه السيرة ص ٣٢٣)، وقال إن ابن إسحق رواها بدون إسناد كما في سيرة ابن هشام ٢/ ٢٦٥ وابن جرير ٢/ ٣٢٥ - ٣٢٦.
وكذلك من القصص المختلقة الواهية قصة ارتداد عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة - رضي الله عنها - عن الإسلام وتنصره بالحبشة. (انظر تحقيق دعوى ردة عبيد الله بن جحش لمحمد بن عبد الله العوشن).
(٢) البداية والنهاية (٢/ ٥٧٢).

<<  <   >  >>