للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة الثالثة: أَخْرَجَ اِبْن الْجَوْزِيّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل: «سَأَلَتْ أَبِي مَا تَقُول فِي عَلِيّ وَمُعَاوِيَة؟».

فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: «اِعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِير الْأَعْدَاء فَفَتَّشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُل قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ» (١).

والجواب: هذه القصة عجيبة الله أعلم بمدى صحة إسنادها.

وقد رواها ابن الجوزي فقال: أنبأنا هبة الله بن أحمد الجريرى أنبأنا محمد بن على بن الفتح أنبأنا الدارقطني حدثنا أبو الحسين عبدالله بن إبراهيم بن جعفر بن نيار البزاز حدثنا أبو سعيد بن الحرفى حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ... ».

ولم أجد مَن ترجم لبعض رواته، وقال الإمام الذهبي في ترجمة: مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَتْحِ: «وَقَدْ أُدْخِلَ فِي سَمَاعه مَا لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ» (٢).

والقصة على أية حال ليس لها علاقة بموضوعنا؛ فإن الإمام أحمد ـ على فرض صحة القصة ـ قد أشار إلى أن أعداء علي - رضي الله عنه - قد وضعوا أحاديث في فضائل معاوية - رضي الله عنه -، وهذا شيء معروفٌ مسلّمٌ به، بل والعكس صحيح كذلك، فقد وضع شيعة عليٍّ الكثير من الأحاديث في ذم معاوية، وكلها موضوعة. ووضعوا في فضائل علي أكثر بأضعاف مما وضع النواصب في فضائل معاوية - رضي الله عنهما -.

أما عقيدة إمام أهل السنة والجماعة في عصر أحمد بن حنبل فقد كانت واضحة جدًا في الترضي عن معاوية - رضي الله عنه - والإنكار على من يذمه.

قال الخلال: «أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة وهو يعقوب، فقال: «يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟».فقال أبو عبد الله: «ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين» (٣).

بل قد صحح الإمام أحمد حديثًا في فضل معاوية - رضي الله عنه -.فقد روى الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد ابن حنبل: «أليس قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُلّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلّا صِهْرِي وَنَسَبِي» (٤)؟

قال: «بلى!».

قلت: «وهذه لمعاوية؟».

قال: «نعم، له صهر ونسب».

قال: «وسمعت ابن حنبل يقول: «ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية!» (٥).

ويستفادُ منه تثبيتُ الإمام أحمد - رحمه الله - للحديث.

وأخيرًا:

على فرض صحة ما ذُكر عن بعض الأئمة من أنه لا يصح شيء في فضل معاوية - رضي الله عنه - فأنهم رحمهم الله لا ريب أنهم يرون أن معاوية داخل في عموم النصوص التي جاءت في فضل الصحابة - رضي الله عنهم -.

فمرادهم لا يصح حديث في فضله بخصوصه أما على سبيل العموم فنعم.


(١) الموضوعات (٢/ ٢٤).
(٢) سير أعلام النبلاء (٣٥/ ٣٨).
(٣) السنة (٢/ ٤٦٠)، وإسناده صحيح.
(٤) وفي رواية «كُلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ سَبَبي ونَسَبي»، وفي رواية: «غَيْرَ نَسَبِي وصِهري». (وللحديث طرقٌ كثيرة، جوَّدَ بعضَها ابنُ كثير، وصححه ابن السَّكَن، والحاكم، والضياء، والذهبي، والألباني، وغيرُهم).
(٥) السنة (٦٥٤)، وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>