للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التحكيم (١)

إن أمير المؤمنين عليًّا - رضي الله عنه - قَبِلَ وقف القتال في صِفِّين (٢) ورضي التحكيم وعَدَّ ذلك فتحًا ورجع إلى الكوفة، وعلّق على التحكيم آمالًا في إزالة الخلاف وجمع الكلمة، ووحدة الصف، وتقوية الدولة، وإعادة حركة الفتوح من جديد.

ولكن قتلة عثمان كانوا حريصين على أن تستمر المعركة بين الطرفين، حتى يتفانى الناس، وتضعف قوة الطرفين، فيكونوا بمنأى عن القصاص والعقاب، ولذلك فإنهم فزعوا وهم يرون أهل الشام يرفعون المصاحف، وعليٌّ - رضي الله عنه - يجيبهم إلى طلبهم فيأمر بوقف القتال وحقن الدماء فسعوا إلى محاولة ثَنْي أمير المؤمنين في عزمه لكن القتال توقف، فسقط في أيديهم، فلم يجدوا بدًا من الخروج على عليٍّ - رضي الله عنه - فاخترعوا مقولة (الحكم لله) وتحصنوا بعيدًا عن الطرفين.

تم الاتفاق بين الفريقين على التحكيم بعد انتهاء موقعة صِفِّين، وهو أن يحكّم كل واحد منهما رجلًا من جهته ثم يتّفق الحكمان على ما فيه مصلحة المسلمين، فوكّل معاوية عمرو بن العاص ووكل عليُّ أبا موسى الأشعري - رضي الله عنهم - جميعًا، وكُتِبَ بين الفريقين وثيقة في ذلك، وكان مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في شهر رمضان سنة ٣٧هـ.

وقد رأى قسم من جيش علي - رضي الله عنه - أن عمله هذا ذنب يوجب الكفر فعليه أن يتوب إلى الله تعالى وخرجوا عليه فسموا الخوارج، فأرسل علي - رضي الله عنه - إليهم عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - فناظرهم وجادلهم، ثم ناظرهم عليٌّ - رضي الله عنه - بنفسه فرجعت طائفة منهم


(١) بتصرف من كتاب (الدولة الأموية) للدكتور علي الصلابي (١٧٨ - ٢٠٢).
(٢) صِفَّين: بكسرتين وتشديد الفاء، موضع بقرب الرقة على شاطىء الفرات من الجانب الغربىِ بين الرَقة وبالس، وكانت وقعة صِفِّين بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - في سنة ٣٧ في غرة صفر. (باختصار من معجم البلدان).

<<  <   >  >>