للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء حديثٌ في فضل أوّل من يغزو البحر من الأمة كما تقدّم (١)، وهو أمير تلك الغزوة، ومعه عدد من الصحابة، وقام بتحصين أسوار سواحل الشام عند ذهابه إلى قبرص، مثل عكا وصور، وأنشأ حصونًا وشحنها بالجند.

ثم أعاد فتح قبرص سنة ٣٣ عندما نقض أهلها العهد.

كما غزا معاوية بلاد الروم على رأس صائفة، فوصل إلى (حصن المرأة) قرب ثغر ملاطية.

وكان لمعاوية إسهام في دحر بقايا الروم في سواحل الشام، مثل طرابلس.

توقفت الفتوحات بعد مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - مظلومًا.

قال سعيد بن عبد العزيز: لما قُتل عثمان واختلف الناس لم تكن للناس غازية ولا صائفة حتى اجتمعت الأمة على معاوية سنة أربعين، وسمّوها سنة الجماعة.

قال سعيد: فأغزا معاويةُ الصوائف وشتّاهم بأرض الروم؛ ست عشرة صائفة تصيفُ بها وتشتُو، ثم تَقفلُ وتدخلُ مُعَقِّبَتُها، ثم أغزاهم معاويةُ ابنَه يزيد في سنة ثنتين وخمسين في جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - و - رضي الله عنهم - في البر والبحر؛ حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينة على بابها، ثم قَفِل.

فلم يزل معاوية على ذلك حتى مضى لسبيله، وكان آخر ما وصّاهم به أن شُدّوا خناق الروم، فإنكم تَضبِطون بذلك غيرَهم من الأمم.


(١) روى البخاري في صحيحه عن أم حَرَام الأنصارية أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا». قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ - رضي الله عنها -:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا فِيهِمْ؟»
قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ».ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ»
فَقُلْتُ: «أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: «لَا». (رواه البخاري).
(مَدِينَةَ قَيْصَر) يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة. (قَدْ أَوْجَبُوا) أَيْ فَعَلُوا فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُمْ بِهِ الْجَنَّة.
قَالَ الْمُهَلَّب: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ.

<<  <   >  >>