للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان هذا هو عذر علي - رضي الله عنه - في بداية الأمر، أما بعد ذلك فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا، وأشدّ اشتباهًا، خصوصًا بعدما اقتتل الصحابة - رضي الله عنهم - في معركة الجمل بغير اختيار منهم، وإنما بسبب المكيدة التي دبرها قتلة عثمان للوقيعة بينهم، فلم يكن أمر الاقتصاص مقدورًا عليه بعد هذه الأحداث لا لعلي، ولا لغيره من مخالفيه - رضي الله عنهم -، وذلك لتفرق الأمة وانشغالها بما هو أولى منه من تسكين الفتنة ورأب الصدع.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «لم يكن علي - رضي الله عنه - مع تفرق الناس عليه متمكنًا من قتْل قتَلة عثمان - رضي الله عنه -، إلا بفتنة تزيد الأمر شرًّا وبلاءً. ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكرًا، وكان لهم قبائل تغضب لهم» (١).

وأيًا كان عذر علي - رضي الله عنه - فالمقصود هنا أنه لا يخالف بقية الصحابة المطالبين بدم عثمان - رضي الله عنه - في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - وهذا مما يدل على إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

ثانيًا: إن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين اختلفوا في الفتنة لم يتهم بعضهم بعضًا في الدين، وإنما كان يرى كل فريق منهم أن مخالفه وإن كان مخطئًا، فهو مجتهد متأول، يعترف له بالفضل في الإسلام وحسن الصحبة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وهذه مسألة مقررة عند أهل العلم أيضًا بما ثبت من ثناء الصحابة بعضهم على بعض - رضي الله عنهم - أجمعين.

فقد ثبت عن علي - رضي الله عنه - على ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن إسحاق بن راهويه بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال: «سمع علي يوم الجمل أو يوم صِفِّين رجلًا يغلو في القول فقال: «لا تقولوا إلا خيرًا إنما هم قوم زعموا أنا بغَيْنا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم» (٢).


(١) منهاج السنة (٤/ ٤٠٧ - ٤٠٨).
(٢) نفس المصدر (٥/ ٢٤٤ - ٢٤٥).

<<  <   >  >>