للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصفوان وعكرمة وأبو سفيان كانوا مقدَّمين للكفار يوم أحد، رؤوس الأحزاب في غزوة الخندق، ومع هذا كان أبو سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة من أحسن الناس إسلامًا، وقُتِلوا - رضي الله عنهم - يوم اليرموك.

ومعاوية لم يُعرف عنه قبل الإسلام أذًى للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بيد ولا بلسان فإذا كان مَن هو أعظم معاداة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مِن معاوية قد حَسُن إسلامه، وصار ممن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فما المانع أن يكون معاوية - رضي الله عنه - كذلك؟

وكان معاوية - رضي الله عنه - من أحسن الناس سيرة في ولايته، وهو ممن حسن إسلامه، ولولا محاربته لعليّ - رضي الله عنه - وتولِّيه الملك، لم يذكره أحد إلا بخير، كما لم يذكر أمثاله إلا بخير. وهؤلاء مسلمة الفتح ـ معاوية ونحوه ـ قد شهدوا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عدة غزوات، كغزاة حُنين والطائف وتبوك، فله من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ما لأمثاله، فكيف يكون هؤلاء كفارًا وقد صاروا مؤمنين مجاهدين تمام سنة ثمان وتسع وعشر وبعض سنة إحدى عشرة؟

فإن مكة فُتحت باتفاق الناس في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باتفاق الناس توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، والناس كلهم كانوا كفارًا قبل إيمانهم بما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكان فيهم من هو أشد عداوة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من معاوية وأسلم وحسن إسلامه، كأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان من أشد الناس بُغضًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهجاء له قبل الإسلام.

وأما معاوية - رضي الله عنه - فكان أبوه شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكذلك أمه حتى أسلمت، فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمْ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمْ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ».

فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه». (رواه البخاري ومسلم).

(خِبَاء) خَيْمَة مِنْ وَبَر أَوْ صُوف، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَيْت كَيْف مَا كَانَ.

<<  <   >  >>