للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك أسباب شخصية في يزيد نفسه:

فليس معاوية بذلك الرجل الذي يجهل صفات الرجال ومكانتهم، وهو ابن سلالة الإمارة والزعامة في مكة، ثم هو الذي قضى أربعين سنة من عمره وهو يسوس الناس ويعرف مزايا القادة والأمراء والعقلاء، ويعرف لكل واحد منهم فضيلته، وقد توفرت في يزيد بعض الصفات الحسنة من الكرم والمروءة والشجاعة والإقدام والقدرة على القيادة، وكل هذه المزايا جعلت معاوية ينظر ليزيد نظرة إعجاب وإكبار وتقدير.

٥ـ إن المؤرخين والمفكرين المسلمين قد وقفوا حيال هذه الفكرة مواقف شتى، ففيهم المعارض، ومنهم المؤيد، وكانت حجة الفريق المعارض تعتمد على ما أوردته بعض الروايات التاريخية من أن يزيد بن معاوية كان شابًا لاهيًا عابثًا، مغرمًا بالصيد وشرب الخمر، وتربية الفهود والقرود، والكلاب ... الخ.

ولكن مثل هذه الأوصاف لا تمثل الواقع الحقيقي لما كانت عليه حياة يزيد بن معاوية، فإضافة إلى ما سبق من الجهود التي بذلها معاوية في تنشئة وتأديب يزيد، نجد رواية في مصادرنا التاريخية قد تساعدنا في دحض مثل تلك الآراء.

قال الإمام ابن العربي المالكي: «فإن قيل: كان يزيد خمارًا.

قلنا: لا يحل قول ذلك إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه؟!!

بل شهد العدل بعدالته، فروى يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، قال الليث: «توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا»؛ فسماه الليث «أمير المؤمنين» بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم، ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا «توفي يزيد» (١).

ويروي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - ـ المعروف بابن الحنفية ـ دخل يومًا على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت، فقال له يزيد، وكان له مُكرمًا: «يا أبا القاسم، إن كنت رأيت مني خُلُقًا تنكره نَزَعتُ عنه، وأتيت الذي تُشير به علي؟».


(١) العواصم من القواصم (ص ٢٣١).

<<  <   >  >>