للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نتيجة مشورة المغيرة بن شعبة على معاوية - رضي الله عنهما - كجزء من صفقة متبادلة بين معاوية وزياد أو غير ذلك من التفاصيل التي اخترعها الرواة (١).

وبعد عقود من السنين نجد الإمام مالك بن أنس ـ إمام أهل المدينة ـ يذكر زيادًا في كتابه الموطأ بأنه زياد بن أبي سفيان، ولم يقل زياد بن أبيه، وذلك في عصر بني العباس (٢)، والدولة لهم والحكم بأيديهم فما غيروا عليه، ولا أنكروا ذلك منه، لفضل علومهم ومعرفتهم بأن مسألة زياد قد اختلف الناس فيها، فمنهم من جوزها، ومنهم من منعها، فلم يكن لاعتراضهم عليها سبيل (٣).

وأما تعارض هذا الاستلحاق ـ إن صح ـ مع نص الحديث الشريف، فمن اعتذر لمعاوية - رضي الله عنه - قال: إنما استلحق معاوية زيادًا لأن أنكحة الجاهلية كانت أنواعًا، وكان منها أن الجماعة يجامعون البَغِيَّ، فإذا حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه، فلمّا جاء الإسلام حرّم هذا النكاح، إلا أنّه أقر كل ولد كان يُنسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرّق بين شيء منها، فتوهم معاوية أنّ ذلك جائز له ولم يفرّق بين استلحاق في الجاهلية، والإسلام (٤).

وأجاز الإمام مالك أن يستلحق الأخ أخا له ويقول: هو ابن أبي، ما دام ليس له منازع في ذلك النسب. فالحارث بن كلدة ـ الذي كانت سمية جارية له ـ لم ينازع زيادًا، ولا كان إليه منسوبًا، وإنما كان ابن أمَةٍ بغي وُلد على فراشه ـ أي في داره ـ فكل من ادعاه فهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل الحق على مذهب الإمام مالك.


(١) الدولة الأموية المفترى عليها (ص ١٩٦).
(٢) المصدر نفسه (ص ١٩٦).
(٣) العواصم من القواصم (ص ٢٥٤).
(٤) الكامل في التاريخ (٢/ ٤٧١).

<<  <   >  >>