للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يَرِدْ في شيء من مصادر الخبر نَقْلُ كراهية بريدة أو إنكاره، فضلا عن ردِّه وامتناعه عما ناوله معاوية، ولو كان بُريدة - رضي الله عنه - يظن ذلك لما جلس هذا المجلس، ولَنَقَلَ ابنُه استفهامَه على أقل تقدير.

ثالثها: أن قوله: «مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» هو من قول معاوية - رضي الله عنه - وليس من قول بريدة، فدل على أن الشراب لم يكن خمرًا.

وإن مما يتبادر للذهن أن الشراب هو اللبن، بدليل أن معاوية في سِنّه هذه لا يُفَضِّلُ عليه غيره؛ كما في رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بريدة، قال: «دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجْلَسَ أبي على السَّرير، وأَتَى بالطعام فأطْعَمنا، وأتَى بشرابٍ فشَرِبَ، فقال معاوية: «ما شيءٌ كنتُ أستَلِذَّهُ وأنا شابٌّ فآخُذُهُ اليومَ إلا اللَّبَنَ؛ فإني آخُذُه كما كنتُ آخُذُه قَبْلَ اليَومِ» (١).

رابعها: كيف يُفهم أن معاوية - رضي الله عنه - شَرِبَ الخمر!! وهو ينص في الخبر ذاته على أنه لم يشربها قط! وأنَّه عَلِمَ النَّهْيَ عنه مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وروى عنه حديثَ جلد الشارب ثلاثًا، ثم قتْله في الرابعة.

فعَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» (٢).


(١) مصنف ابن أبي شيبة (١١/ ٩٤ - ٩٥)، وسنده حَسَنَ، انظر: من فضائل وأخبار معاوية دراسة حديثية (ص ٦٣).
(٢) رواه الترمذي، وصححه الألباني، وانظر: كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر للشيخ المحدث: أحمد بن محمد شاكر - رحمه الله -.

<<  <   >  >>