للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ولما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي - رضي الله عنهما - ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي - رضي الله عنه -، وطمع في معاوية ملكُ الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي - رضي الله عنهما - تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: «والله لئن لم تَنْتَهِ وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطَلِحَنَّ أنا وابن عمي عليك، ولأخرِجَنَّك من جميع بلادك، ولأضَيِّقَنَّ عليك الأرض بما رحبت». فعند ذلك خاف ملك الروم وانكَفَّ، وبعث يطلب الهدنة (١).

- ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فانعقدت الكلمة على معاوية - رضي الله عنه -، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين للهجرة، فلم يزل مستقلًا بالأمر في هذه المدة إلى السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم تَرِدُ إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.

- وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلًا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين.

- وفيها أو في التي بعدها غزا ابنه يزيد بلاد الروم فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية، وقد ثبت في صحيح البخاري قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِى يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ».

· وكان معاوية - رضي الله عنه - من الموصوفين بالدهاء والحِلم.


(١) البداية والنهاية لابن كثير (٨/ ١٢٧).

<<  <   >  >>