للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى ابن عساكر من طريق سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ذكر عند عليّ يوم صِفِّين ـ أو يوم الجمل ـ فذكرنا الكفر، قال: «لا تقولوا ذلك، زعموا أنا بغَيْنَا عليهم، وزعمْنا أنهم بغَوْا علينا؛ فقاتلناهم على ذلك» (١).

يقول الحافظ ابن كثير: «ثم كان ما كان بينه ـ أي معاوية ـ وبين علي بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم ... وكان الحق والصواب مع علي، ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفًا وخلفًا» (٢)).

ويقول ابن خلدون: «ولما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية كان طريقهم فيها الحق والاجتهاد، ولم يكونوا في محاربتهم لغرض دنيوي، أو لإيثار باطل، أو لاستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم، وينزع إليه ملحد، وإنما اختلف اجتهادهم في الحق، وسفه كل واحد نظر صاحبه في اجتهاده في الحق، فاقتتلوا عليه، وإن كان المصيب عليًّا، فلم يكن معاوية قائمًا فيها بقصد الباطل وإنما قصد الحق وأخطأ، والكل كانوا في مقاصدهم على الحق» (٣).

وخلاصة القول أن عليًّا ومعاوية - رضي الله عنهما - كانا يسعيان إلى الحق ولا شيء سوى ذلك، لكن عليًا كان هو الأقرب إلى الحق والدليل في ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ».

وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن عَسَاكِر عَنْ أَبِي الْقَاسِم اِبْن أَخِي أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى عَمِّي فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي أُبْغِض مُعَاوِيَة»، قَالَ لَهُ: «لِمَ؟»، قَالَ: «لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا بِغَيْرِ


(١) تاريخ دمشق (١/ ٣٤٣)، وإسناده صحيح.
(٢) البداية والنهاية (٨/ ١٢٦).
(٣) المقدمة (١/ ٢٥٧).

<<  <   >  >>