للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن كلامنا هذا ينصب على التفصيلات لا على أصل التحكيم حيث أن أصله حق لا شك فيه (١).

إن قصة تحكيم أبي موسى وعمرو بن العاص في الخلاف الذي كان بين علي ومعاوية ـ رضي الله عن الجميع ـ مشهورة ذائعة في كتب الأخباريين وأهل الأدب، وفيها ما فيها من لمز الصحابة - رضي الله عنهم - بما ليس من أخلاقهم.

لقد كثر الكلام حول هذه القصة الباطلة، وتداولها المؤرخون والكتاب على أنها حقيقة ثابتة لا مرية فيها، فهم بين مطيل في سياقها ومختصر وشارح ومستنبط للدروس وبانٍ للأحكام على مضامينها وقلما تجد أحدًا وقف عندها فاحصًا محققًا، وقد أحسن ابن العربي في ردها إجمالًا دون أن يُفَصّل وفي هذا دلالة على قوة حاسته النقدية للنصوص.

وقد فند هذه القصة الباطلة: الدكتور يحيى اليحيى في (مرويات أبي مخنف).

وقد أجاد الشيخ محمد العربي التباني في إبطالها في رده على محمد الخضري المؤرخ في كتابه (تحذير العبقري من محاضرات الخضري).

إن جميع متون قصة التحكيم لا يمكن أن تقوم أمام معيار النقد العلمي، بل هي باطلة من عدة وجوه (٢).

الوجه الأول:

أن جميع طرقها ضعيفة، وأقوى طريق وردت فيه هو ما أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند رجالة ثقات عن الزهري مرسلًا قال: قال الزهري: فأصبح أهل الشام قد نشروا مصاحفهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراق، فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص فتعرق أهل صِفِّين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ويخفضا من خفض


(١) مرويات أبي محنف في تاريخ الطبري (ص ٣٧٨).
(٢) نفس المصدر (ص ٤٠٤).

<<  <   >  >>