للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه السابع:

لا يخلو قول عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فيما زعموا عليه: «وأثبت صاحبي معاوية» من أمرين:

الأول: تثبيته في الخلافة كما كان أولًا، وهذا هو المتبادر من لفظ التثبيت، وهو باطل قطعًا؛ فإنه لم يقل أحد ينتسب إلى الإسلام إن معاوية - رضي الله عنه - كان خليفة قبل التحكيم حتى يثبّته حَكمه فيها بعده، ولم يدَّعِها هو لا قبله ولا بعده، ولم ينازع عليًّا - رضي الله عنه - فيها.

الثاني: تثبيته على إمارة الشام كما كان قبل، وهذا هو المتعين دراية وإن لم يصح رواية، وهو تحصيل الحاصل، وأي دهاء امتاز به على أبي موسى في تحصيل الحاصل؟ وأي تغفيل يوصم به أبو موسى مع هذا العبث؟ فهل زاد به معاوية شيئًا جديدًا لم يكن له من قبل؟ وهل نقص به علي عما كان له قبل؟

الوجه الثامن:

لا يخفى ما تنطوي عليه هذه الروايات من قدح وذمّ في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واتهام بعضهم بالغدر والخيانة وسب ولعن بعضهم بعضًا , وما يخالف هذا امتداح الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لهم - رضي الله عنهم -.

الوجه التاسع:

وردت رواية صحيحة تناقض تلك الروايات تمامًا، وذلك فيما أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) بسند صحيح، أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - لما جاء التحكيم التقى مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فقال له: ما ترى في هذا الأمر؟

قال: «أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو عنهم راض» (١).

فقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: «فأين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟».

قال: «إن يستَعِن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما (٢).

ثم انتهى الأمر على هذا فرجع عمرو بن العاص إلى معاوية - رضي الله عنهما - بهذا الخبر ورجع أبو موسى الأشعري إلى عليٍّ - رضي الله عنهما -.


(١) أي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٢) التاريخ الكبير (٥/ ٣٩٨).

<<  <   >  >>