لا شيء أحلى في مسامع مُغْرَم ... يلهو به سوى الأشعارِ
فطروسها تحكي الرياض وإنها ... لِذوي المعاني لذة الأبصارِ
قال ابن منير الثعالبي: وما زال السلف يحفظون الشعر حديثاً وقديماً، ويتخذونه في الحوادث نديماً، وينشدونه حال المجالسه، ويوردون دقائقه في أوقات المُخَالَسَه، والآثار المسندة، والأخبار الممهدة، في شأنه حجج قوية، ومحجة ضوئية، ويكفي في فضله أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد بعض أصحابه من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشده مائة قافية وأن عمر مر بحَسَّان وهو ينشد الشعر في المسجد فنظر إليه شَزْراً، فقال له: كنت أنشد وفيه من هو خير منك وهذا الخبر رواه البخاري وغيره، وما نُقِل من استحباب الوضوء بعد إنشاد الشعر، فمحمولٌ على الشعر الهجو. وأما ما يترتب عليه من الثواب والعقاب؛ فليس من جهة الشعرية، وإنَّما هو من حيث المضمون، وقد قيل في قوله تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له أن المراد قبيحه.
هو الشعر لا شيء سواه وإنه ... لأحسن ما قد قال قس وسحبانُ
يُعَنَّى به صَبٌّ ويُمدَحُ محسنٌ ... ويُرثى به مَيْتٌ ويُعْطَف غضبانُ
ونعود إلى ما نحن بصدده ونندرج فيما نحن من عدده:
ولما طاب زمن الربيع وأوانه، واخضرّت رياضه واخضلّت أغصانه، تصمّم العزم على السفر، وركوب البحر وإن كان فيه الخطر، وقد أزهر جوانب تلك البقاع، وغرّدت على دَوْح أفنانها في الأسحار بلابل الأطيار فَلذَّ السماع، وكنت